فاطمة بنت مستور

الحمد لله الذي جعلنا أبناء لمواطنين نصحة وآباء بررة.. الحمد لله الذي أكرمنا بأن نهلنا من معين صدقهم واغتذينا من ثمار إخلاصهم لوطنهم وولائهم لقادتهم..

لقد كان الوالد (مستور بن علي) -رحمه الله- أحد هؤلاء المواطنين البررة، حيث أخذ على عاتقه -وقد كان مفطورا على حب المساكين ومجبولا على الرغبة الشديدة في مساندة ومساعدة المحتاجين- أخذ على عاتقه هم الارتقاء بمستوى الخدمات الإنسانية المقدمة للمواطنين في المنطقة الشرقية وتقديم المساعدة والدعم للأسر المحتاجة ولا سيما النساء الأرامل والمطلقات والأيتام، فبادر في وضع حجر الأساس بدعم وتأييد وعناية كريمة من سمو أمير المنطقة الشرقية آنذاك الأمير عبدالمحسن بن جلوي -رحمه الله- لتأسيس جمعية البر بالمنطقة الشرقية..

وقد كان عاشقا لوطنه محبا لولاة أمره، يسعى جاهدا بكل ما أوتي من ملكات وحنكة واستشراف للمستقبل ونظرة ثاقبة وبعد نظر، لكي يحقق لوطنه أفضل ما يمكن لمواطنٍ تحقيقه مسترشدا برأي قادته ممتثلا لأوامرهم السامية منفذا لتوجيهاتهم الكريمة.. وكان لا يكتمهم خبرا يراه في صالح الوطن والمواطن مع أريحية وتفهم كبيرين من جهتهم..

فكان من جملة جهوده الأثيرة التي لم يضن بها على وطنه ولا تزال آثارها حتى يومنا هذا شاخصة هناك شاهدة له: مشورته التي قدمها للجهات المختصة وعلى إثرها أصبحت الخرخير التي تقع في الربع الخالي من جنوب المملكة العربية السعودية.. هذه المنطقة البترولية الغنية، أصبحت ضمن ملكية الحكومة السعودية..

فقد أوعز بمشورةٍ حكيمة لإمارة المنطقة الشرقية، ومن ثم وزارة الداخلية إلى ضرورة استثمار تلك المنطقة الحيوية، حيث تتركز جهود البحث والتنقيب عن البترول..فكانت الاستجابة سريعة من قبل الجهات المسؤولة بمعالجة الأمر وتكليف الشيخ مستور الغامدي بإدارة مشروع استغلال الموقع بما يراه شخصيا وبمؤازرة مالية وإدارية مفتوحة.

ومن هنا بدأت بوادر الإخلاص والإبداع تتجلى.. فقد أسس الشيخ (مكتب الدراسات الشرقية).. وبدأت بفكرة تأسيس مواقع كل الإدارات الحكومية في الخرخير: شرطة - صحة - تعليم - جوازات..... الخ.. واقترح مكافآت مجزية لمن يعمل هناك: والأهم من هذا تجنيس البدو القاطنين في صحاري تلك المنطقة.. حيث نظم العملية وقضى على كل محاولات الاختراق والإغراء ممن حاول الالتفاف للحصول على الجنسية من هذه البوابة..

بتلك الطريقة تم التأسيس الأولي لمدينة الخرخير.. ومن بعدها كل إدارة تحملت مسؤولية إكمال مشوار التأسيس الصعب البطيء.. عندما تأسست المدينة خلال سنوات قلائل وأصبح هناك مواطنون سعوديون في الموقع..

حيث وضع ذلك الموقع مركزا حدوديا ثابتا وكل المناطق ما قبل هذا الموقع يدخل تلقائيا كأمر واقعي مفروض بما فيه من احتياطات نفطية يعتبر ملكا للسعودية..

هكذا يعمل أبناء الوطن المخلصون لوطنهم بصمت وحكمة.. وبمثل هذه النماذج علينا أن نقتدي.. فقد رحل هذا العلم عن دنيانا ولا تزال آثار جهوده العظيمة ملموسة في المنطقة الشرقية التي احتضنته صبيا وشابا يافعا، حتى غيبه الموت دون الستين من عمره قبل أكثر من عقدين من الزمن، غفر الله له وطيب ثراه.