سكينة المشيخص

ما يجري على سطح مياه الخليج يبدو أكثر من توتر وأقل من مناوشات ودبلوماسية خشنة، لأن هناك عنفا وأعمالا إجرامية وإرهابية تحدث، تعكس عن نيات خبيثة وغير متوافقة مع مقتضيات الأمن والسلم الدوليين في منطقة حساسة ولها تأثيرها المباشر والفعلي على إمدادات الطاقة العالمية، أي أن أي تصرف غير مسؤول لا يؤذي طرفا واحدا وإنما يمتد إلى عدة أطراف، ما يتطلب معالجات حاسمة ورادعة للطرف الذي يتورط فيما يحدث، لأنه يرتكب بالفعل عملا إرهابيا وإجراميا بمنطوق القانون الدولي.

الخليج العربي أحد أهم الممرات المائية الدولية، ولا يمكن لأي دولة أن تعوق حركة الملاحة فيه، لذلك حتى دولة مثل إيران مشهود لها بالأفعال والممارسات العدائية غير مسموح لها بتلك الإعاقة، ولعل من الصعب أو المستحيل القناعة بعدم وجود يد لإيران فيما تعرضت له ناقلات النفط مؤخرا قبالة دولة الإمارات أو خليج عمان، فهي كانت تفعل ذلك أيام الحرب العراقية الإيرانية، وهددت بإغلاق مضيق هرمز إذا تعرضت لإيقاف صادراتها النفطية التي وصلت إلى المستوى صفر مع العقوبات الأمريكية.

عدم قدرة إيران على تصدير نفطها لا يمكن لوم دول الخليج فيه، والنفط يخضع لعرض وطلب، وهي عرضت ولكن السوق لا يطلب نفطها، بغض النظر عن العقوبات الأمريكية التي تطال أي جهات تشتري النفط الإيراني، فإذا توقفت الهند، على سبيل المثال، عن شراء أو طلب نفطها، فتلك ليست مسؤولية السعودية أو الإمارات أو البحرين أو الكويت أو منظمة أوبك أو المجتمع الدولي، وإنما مسؤولية إيران نفسها التي ينبغي أن تكون إيجابية ومرنة في علاقاتها الدولية حتى تجد مسارات اقتصادية صحية وغير مضغوطة بعقوبات أمريكية.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن ضغط العالم لشراء نفطها فيما لم يعلن أحد الحرب عليها حتى تبادر إلى أعمال حربية مضادة باستهداف مرافق أو وسائل مدنية تتعلق بطاقة العالم، خاصة وأن النفط الذي تستهدفه في تلك الناقلات يذهب إلى دول أوروبية وهي الدول الوحيدة التي تبقي على صلات هشة مع إيران بموجب الاتفاق النووي، وذلك العمل بالتأكيد سيضغط على هذه الدول لاتخاذ مبادرة رافضة للسلوك الإيراني ما يزيد عزلتها وعزلها وخنقها بالعقوبات والتضييق الاقتصادي الذي يضعفها ويجعلها معرضة للانهيار.

ما لم تكسبه إيران بالمفاوضات لن تحصل عليه بالأعمال العدائية والعسكرية، فهي في الواقع أضعف من أن تكسب حربا مباشرة تدمرها وتعيدها إلى ما قبل التاريخ، وذلك لأن تعرضها للضرب سيكون قاسيا وحاسما ليس لسلوك النظام وتغييره فقط وإنما تغيير النظام بأكمله وجعله من الماضي أيا كانت التكلفة على المنطقة التي وصلت مرحلة تحييد إيران سلما أو حربا، ومن سوء الظن أن الأساطيل الحربية الأمريكية تتمركز أو تعيد انتشارها في الخليج وبحر عمان لمجرد ترهيب إيران وإنما بجاهزية قتالية كاملة لا تسمح لإيران بعد الضربة الأولى أن تلتقط أنفاسها لتؤذي دول المنطقة بأعمال انتقامية على نسق عليّ وعلى أعدائي.

وحتى ظهور أي مؤشرات ملموسة ودامغة على تعاطي إيران السلبي مع ناقلات النفط، يمكن الجزم بأن خطة الحرب أصبحت أكثر تحققا ما لم تتوقف هذه الدولة عن هذه الأفعال الصبيانية، وتخضع للتفاوض وفتح الملف النووي وإعادة صياغة بنوده فذلك هو باب الخروج الوحيد المتاح أمام النظام من عنق الزجاجة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية التي وضع نفسه فيها ولن يطيق البقاء طويلا على هذا الوضع قبل أن يستسلم وينهي التأزيم الذي يحدث حاليا.