د. نورة عبدالله الهديب

واحتفل الجميع بالعيد وتبادلوا الهدايا والتبريكات، وجُمعت القلوب بحضور الشهود وسافرت الأحبة لتلتقي بالأحبة. ووثّقت المشاهد الجميلة من الحفلات والرحلات والمشتريات من الجميع. وفِي تلك الزاوية، تجلس تلك الفتاة على الأرض تراقب تلك الشاشة الصغيرة لتقارن فستانها بفاساتين العارضات من المشاهير. وتسمع تلك الأسماء الأجنبية والأرقام الخيالية التي لا تستطيع حتى نطقها، لتفكر كيف ومتى ولماذا يعيشون هكذا؟ فعقلها قد حصد الكثير من المعلومات التي لا تتوافر في نطاقها. حتى أصبحت متولعة بما خلف الشاشة، لا ترى إلا ما يعرض حتى أصبحت لا تستمتع بما حولها. هنا، قد تقوقعت حول نفسها واعتزلت حياتها لتدخل إلى عالم الاكتئاب... فصراع الرغبة والحاجة لا يوقفه إلا القناعة.

وفِي مشهد آخر، كانت الزوجة مندمجة مع تلك الشاشة لترى هدايا العيد التي يتفاخر بها الناقصون لتتفاجأ بدخول زوجها، حاملاً هديتها المتواضعة مبتسماً لها. لتختل الموازين بين عقلها وعينها، هل هذا نصيبي من هذا العيد؟ لماذا لا يستطيع أن يهديني مثلهم؟ ليبدأ صراع المقارنة والتنافس حتى ينتهي الأمر إلى الطلاق... فبعض العقول محدودة التفكير ولا تتوافق مع رغباتهم اللامحدودة لينتهي الأمر إلى تشتت وانقلاب.

وفِي مشهد أخير، يتمرد ذلك المراهق على أهلة تاركاً كل التبجيلات والنصائح الرمضانية في بر الوالدين. وذلك لعدم قدرته على منافسة أصدقائه في عطايا العيد التي قد تداولوها عبر تلك الشاشات. ليتحول فرح العيد إلى نكد وحزن بين تربية ومتطلبات الأبناء... عقلية المراهق لم يكتمل نضجها فهو لا يعرف كيف يفكر هل من عقله أم من عاطفته؟ لذلك تصرفاتهم لا تفسير منطقي لها في بعض المواقف. فنراهم بين الطاعة تارة وبين التمرد تارةً أخرى.

فالاكتئاب والطلاق والتمرد، حالات من مئات الحالات التي يتعرض لها البعض بعد فرحة العيد، التي وهبنا الله تعالى إياها هدية تتجلى بين الروحانية وصلة الرحم، ولكننا في زمن قد طغت الفتن على جمال العطايا الإلهية. والأسباب تتراوح بين انصياعنا للرغبات أو عدم قدرتنا على مواكبة مغريات الحياة أو حصر حياتنا بين الشاشات الصغيرة، التي استخدمها البعض من المشاهير -للأسف- للتباهي والمفاخرة بالهدايا والرحلات والمشتريات، التي سببت خللا في قناعات البعض. لذلك، نشر ثقافة الوعي من قناعة ورضا في الأطفال وأُسرهم من خلال التعليم والمنظمات الاجتماعية، التي تهتم بشؤون المجتمع. وكذلك، يستطيع الإعلام أن يتخذ موقفاً مرناً بين توعية بعض المشاهير المؤثرين وبين كيفية وضع أنظمة تساعد على التقليل من النتائج السلبية، التي ظهرت في المجتمع بسبب ما يُعرض في وسائل التواصل الاجتماعي. وُكل عام وأنتم بخير.