فهد السلمان

في عام 2008م أصدرت جامعة الملك سعود واحدًا أعتقد أنه من أهم إصداراتها، أعني كتاب «الثروة واقتصاد المعرفة» الذي ترجمه إلى العربية الدكتور محمد زياد كبة، وهو من تأليف الزوجين «ألفين وهايدي توفلر»، وهذا الكتاب الذي يتناول موضوع «اقتصاد المعرفة» بعد أن مرّت المجتمعات الإنسانية عبر تاريخها الطويل بعدة مراحل ابتداءً من اقتصاد الفريسة، واقتصاد الزراعة، وصولا إلى اقتصاد الصناعة، وكلها كانت اقتصادات مزاحمة كالدكاكين بعضها يزاحم بعضا، لينتقل العالم مع ثورة الإنترنت وتطور أدواته إلى اقتصاد المعرفة العابر للقارات، وهو اقتصاد غير مزاحم، وإنما يأخذ بعضه بتلابيب بعض، وقد استطاع هذا الكتاب الذي أرى أنه أشبه ما يكون بوثيقة اقتصادية، استطاع أن يستعرض مسار العالم باتجاه «اقتصاد المعرفة»، وأن يجيب بالتالي عن هذا السباق المحموم في لعبة السيطرة على أدوات نقل المعرفة.

الجميل في الأمر أن هذا الكتاب يجيب عن الكثير من الأسئلة القائمة اليوم، وفي مقدمها الخلاف بين الصين والولايات المتحدة، والذي بدأ أول الأمر وكأنه خلاف بين شركة هواوي الصينية والأنظمة التجارية الأمريكية، ليتضح بعد أن دخل الأمر مرحلة الجد أن الخلاف ليس مجرد خلاف تنافسي في خدمة الـ 5G بين هواوي الصينية وشركات وادي السليكون في فرانسيسكو وسياتل الأمريكية، وإنما هو خلاف في حقوق السيطرة على نواقل المعرفة، بعدما أصبحت المعلومات هي نفط العالم الجديد وذهبه وأغلى معادنه، وبعدما أصبح من يمتلك القدرة على الرهان على الذكاء الصناعي يمتلك القوة للسيطرة والنفوذ على العالم برمته. لقد دخلنا مرحلة تصادم السرعات التي تحدث عنها الكتاب، الذي تناول أيضا في أحد فصوله مفاجأة الصين التي قامت على ما سماه بـ «تسريع التسارع» للحاق بالغرب بل وتجاوزه عندما أدركت أنها بحاجة إلى بناء قطاع عالي المردود قائم على المعرفة المكثفة في طريقها للتفوق على العالم، فضغطت الوقت لتنجز مشروعها في استعمال السرعة في المنافسة في التجارة الدولية وبشكل مذهل فاق توقعات الكثير من الاقتصاديين حتى قال بعضهم حسب مجلة بيزنس ويك: إن المصدرين اليابانيين والكوريين الجنوبيين والأوروبيين احتاجوا إلى أربع أو خمس سنوات لتطوير مواقعهم في السوق، بينما تسيطر الصين على الأسواق بسرعة فائقة حتى أنك لا تراها حين تأتي.

لا يسعني إلا أن أحيي الجامعة على تبني هذا الإصدار شديد الأهمية.