صالح بن حنيتم

لا استغرب ممن ربما يقول «يا لله علم خير، وش السالفة بكاء في بكاء ونحن على أبواب عيد!؟» ولكن هذه طبيعة الحياة وكل شخص مهما طالت اقامته على هذه الأرض لابد من الرحيل وفراق الأقارب والأحباب والأصحاب، فمفردة «البكاء» موجودة في مجريات الحياة ووديانها، فلقد أتينا إلى هذه الدنيا باكين وعندما نرحل هناك من سيبكي علينا «بعد عمر طويل»، الأمر الآخر فيما يخص البكاء، كم شاهدنا من أناس يبكون بدل الدمع دما على فراق قريب فرقت بينهم الخصومة ولم تفلح جهود المصلحين للإصلاح، وعند الصلاة على جنازة ذلك القريب وعلى حافة القبر يصحو الضمير المريض لتتعالى صيحات الندم وتذرف الدموع، ولكن هيهات أن يعيد البكاء غاليا رحل! فهل من معتبر يا من هجرت والديك، إخوانك، أخواتك، أعمامك، وعماتك، أخوالك، وخالاتك... إلخ... قبل أن تمر بنفس السيناريو؟!

فحياتنا عبارة عن مجموعة أيام على وزن مجموعة إنسان! أو مجموعة صفحات كتبنا عليها ما واجهنا من مواقف جميلة وما صادفنا من صفعات في كتاب الحياة، نحن فعلا عبارة عن كتب تمشي على الأرض، الفرق الوحيد بين صفحات الكتاب وصفحات الحياة أن صفحاتنا اليومية التي نطويها لا نستطيع استعادتها كما هو الحال مع صفحات الكتب، ولكن نستطيع أن نستعيدها من خلال الرجوع إلى أرشيف الذكريات، وبما أن الصفحات لن تعود، فهل حرصنا على أن نكتب فيها من الأفعال والقيم وصلة الرحم والتسامح والعفو والتغاضي ما يجعلنا فخورين لا نادمين على تلك الصفحات؟

رسالة لكل من بينه وبين أقاربه خصومة، أن يفتح صفحة جديدة مع اشراقة شمس يوم العيد ويغلق الصفحة الخاصة بالخصام قبل أن يفرقهم القدر ويذرفون دموع الندم على قبور أحبابهم؟ هل يكون للعقل مكان لنسمع هذا الخطاب على لسان المتخاصمين؟، هل نطوي صفحة الشحناء والتباغض، صفحة القطيعة لتصبح من الماضي، ولنفتح صفحة جديدة، صفحة الوصال، صفحة صلة الرحم صفحة التسامح؟

هناك العديد من القصص المؤلمة في هذا الجانب أبطالها أو ضحاياها من المتخاصمين، ما زلت أتذكر ذلك الشخص الذي أبكى من حوله في المقبرة من شدة بكائه على فراق أخيه الذي فرقتهما الخصومة، وعندما قلت لزميلي بعد ذلك المشهد، يبدو أن قريبك كان متعلقا جدا بأخيه، واسأل الله أن يصبره على فراقه، قال لم يكن بينهما تواصل ولقد استمرت القطيعة بينه وبين أخيه لسنوات، وكان يرفض الصلح حتى بعد أن ادخل أخيه إلى العناية المركزة لم يزره، حينها عرفت سبب البكاء.

مهما علا صوت البكاء ومهما كانت حرارة الدموع والندم، لن تعيد من رحل، وهنا أكرر ما قلته في بداية المقال، هل من معتبر يامن خاصمت وهجرت لحمك ودمك!؟