أحلام القحطاني

في ظل ما يبحث عنه المشاهير من توسع وانتشار، كان هناك العديد من الوسائل التي لم يتوانوا عن استخدامها والطرق التي عبروها كي يحصدوا ذلك الكم الهائل من المشاهدة والاهتمام من قِبل المتابعين الذين تعمقوا بأدق تفاصيلهم الحياتية تلك التي من المفترض أن تكون خلف أبواب موصدة لا مستباحة للجميع، بل إنهم بالغوا في إقحام المشاهد في أدق تفاصيل يومياتهم بالشكل الذي لم يعد لهم الحق في إخفاء شيء إن رغبوا في ذلك بعد أن فتحوا تلك الأبواب على مصراعيها وسمحوا للجميع بالدخول، ولان التعميم لغة الجهلاء فهناك من المشاهير من رسم الخطوط الحمراء التي حفظ بها تفاصيله الخاصة ولم يُظهر من حياته إلا ما سمح به العُرف الأخلاقي الذي يحفظ للفرد خصوصيته ويجنبه تطفل العابثين، والترفع بها من أن تكون سلعة مجانية في سبيل انتشاره.

إن حب الناس نعمة يسعى الكثير لنيلها والبحث عن سبل الحفاظ عليها من الزوال، فإن شعورك بشعبيتك ومعرفة من يقابلك بأنك فلان يجعل منك باحثا نهما عن سُبل استمرار هذه المعرفة ودوام هذا الشعور، فإن علم النفس يؤكد أن لفت الانتباه حاجة نفسية غريزية لا تختلف عن الحاجات البيولوجية الأخرى، ولكن ليكن بالقدر الذي لا يتعارض مع حفظ الخصوصيات وعدم الزج بكل صغيرة وكبيرة في ميدان واسع من الناس بمختلف أطيافهم وأعمارهم ليلتقطوا حياتك برغبتك ويجعلوها «كاللبان» في أفواههم، وهنا فقط نعرف أن الأمر تحول من حالة غريزية إلى مرضية تندرج تحت مسمى «هوس الشهرة»، إن هذه الحالة بمثابة المقبرة للنفس السوية، يفقد فيها المرء توازنه النفسي والعقلي، وقد يجاهر ببعض المعاصي أو يهتك عرض الأخلاق ليصل إلى ذروة الانتشار الذي يريد وهو يطبق بذلك مقولة «الغاية تبرر الوسيلة».

إنه مرض عضال قد يغفل عنه صاحبه فينهش عظامه، أو يعلم به ولكنه يخاف من أن يكون على هامش الاهتمام أو في مؤخرة الركب فيتجاهله ويكمل المسير، وفي الحالتين سيخسر نفسه التي باعها بأرخص الأثمان تحت أقدام الملايين في سبيل شحذ اهتمامهم ومحبتهم، كما أن «نشر غسيل» حياة بعض المشاهير اليومية والخوض في بعض المحاذير لم يعد يجلب الكثير من المشاهدات كما في السابق، فقد أصبحت طرقا مستهلكة مما جعلهم يبحثون عن طرق جديدة كان آخرها ماهو أعمق نقطة في هذا المرض، فعندما أعلن عدد من المشاهير «الأصحاء نفسيا» عن إصابتهم بمرض ما وكان ذلك لتوعية معينة وهدف سامٍ من الإعلان، خاف «الفارغون» من سحب البساط من تحت أقدامهم فأعلنوا أنهم مصابون أيضا، فأي صحيح عقل «يتبلى» على نفسه بالمرض؟ وأي عاصٍ ينكر نعمة الله عليه بتمام الصحة أمام خلقه!.