هناء مكي

أوضح صندوق النقد في أحدث تقاريره أن الانكماش الاقتصادي في تركيا «يُتوقع حاليا أن يكون أعمق من المقدر في التوقعات السابقة»، الأزمة الاقتصادية التي بدأت في تركيا آخذة في الاتساع، وهي أزمة نقدية أطاحت بالليرة التركية إلى الهاوية مسببة لها أزمة ديون عميقة، فدين الحكومة والشركات التركية بالعملات الأجنبية فاق الـ50% من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقابل فإن تراجع الليرة التركية يعادل ارتفاع الدين بنسبة مماثلة، وهذا ما حدث خلال الأسبوع الماضي. وهي البداية الحقيقية للأزمة الاقتصادية والمالية التي قد تسبب انهيار الاقتصاد التركي إذا لم يتجاوزها بحلول عاجلة ومتلاحقة وطويلة المدى.

فجاجة الأزمة هي في تعرضها لعمليتي تعويم وإغراق متتاليتين، وفي الأصل فإن تركيا لم تكن خالية من المشاكل من قبل، فقد لازمها ولسنوات طويلة ارتفاع في مستوى التضخم بدا كبيرا ولا يمكن السيطرة عليه، وكذلك ارتفاع تكاليف الاقتراض مقابل التخلف عن سداد القروض. واليوم لديها مشاكل أخرى كالإفراط في الحساب الجاري والتعثر في سداد الديون بالعملات الأجنبية.

تاريخ التذبذب ينذر بهذه الأزمة التي كان من المفترض وضع معالجات لها آنية قبل أن تتطور وتفلت من يد الحكومة المحلية، هي اليوم تعيش أزمة حقيقية تحتاج ليد منقذ وإلا فإنها ستغرق لا محالة.

وكان الاقتصاد التركي يعتمد كثيرا على اقتصاده المفتوح وعلاقاته بدلا من صنع اقتصاد محلي يتكفل به، وها هو الآن ينتبه لمركزية المشكلة ويسعى لحلها، على أثر ما أعلنته الحكومة التركية من اتخاذها خطوات لمعالجة وخفض تأثير العوامل الخارجية على الاقتصاد لأدنى مستوى. كما تقود تركيا عمليات تنقيب للبحث عن النفط، وهي حلول مستقبلية وليست معالجات للأزمة بلا شك.

الأزمة التركية تتشابه لحد كبير مع الأزمة اليونانية، وكان الإفراط في التنازلات لأجل الدخول في الاتحاد الأوروبي أحد أسبابها، بدايتا أزمتيهما تزامنتا مع الأزمة العالمية 2008، فالأزمة اليونانية لم تكن مفاجئة، بل سبقتها مشاكل مالية واقتصادية كانت تشير إلى أن هناك خطأ يراد تصحيحه؛ وذلك لعدم قدرتها على سداد الديون المترتبة عليها، نتيجة لتراكم القروض التي حصلت عليها من الدول الأوروبية، وهكذا استمرت اليونان بإعلان إفلاسها، لعجزها عن دفع القيمة المالية لديونها، التي تزداد قيمتها مع مرور الوقت. تماما كما يحدث لتركيا اليوم.

هناك أسباب أخرى أهمها القرارات التي زادت الوضع سوءا، فمآل الوضع الاقتصادي يتسبب فيه جملة أخطاء لقرارات سياسية ومحلية أو للتغاضي والإهمال لمسببات أزمة عابرة.

تختلف الأزمة الاقتصادية عن الأزمات السياسية بأنها لا تأتي صدفة ولا تكون عابرة، أي أن لها تاريخا قديما وسوء معالجة أو إهمالا، وإذا حدثت فإنها لا تنتهي بسهولة، لذا لا تكون عابرة أبدا، بل إنها قد تتكرر في أي وقت، والعلاجات التالية قد لا تناسبها.