عيسى الجوكم

رست بعد سفرها في الميناء الهام.. في خارطة الزمان والمكان.. محملة بأجمل الأسماء.. كتب لها التاريخ مجدا بأغلى الأثمان.

مرت بشراعها تزهو هنا وهناك.. رحلة تسامرت فيها مع ضوء القمر ليلا.. ودفء الشمس نهارا.. وعاشت ربيعا فيه (الماء والخضرة والوجه الحسن).

كانت بوصلتها تقول (كل الطرق تؤدي إلى الفرح).. شاء من شاء وأبى من أبى.. فقد حاربت حنجرة العندليب وأصمت آذانها وهو يشدو (فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود.. من يدخل حجرتها.. من يطلب يدها.. من يدنو من سُور حديقتها.. من حاول فك ضفائرها.. يا ولدي مفقود مفقود مفقود)..!!

عبرت الشطآن والبحار.. تسأل عن اللؤلؤ والمرجان.. تبحث عن أغلى الأثمان.. تغفو وتصحو بصوت (القبطان).. تضيع فيرشدها (الشجعان).. وتموج فينقذها رابطة الجش.. وحمد الإله!!

مالت بشراعها واعتدلت.. وكلما هبت الرياح.. استندت على سرها المكنون.. وشقت طريقها تغني.. فكل المياه ساحتها وخارطتها وبوصلتها!!

لم تتعطل في رحلتها.. حتى والماء (قراح).. يسأل العارفون.. كيف هيئ لها المسير.. والارتفاع بينها وبين الأرض أمتار تضيق؟ يأتي الجواب.. قبطان ماهر!!

لا الرياح أوقفتها.. ولا الأمواج أتعبتها.. فطريقها سالك.. وشراعها وإن مال حينا.. فهو ثابت ومتماسك..!!

طافت بزهو طاقمها الأميال.. وفي كل ميناء تدنو.. تشعر أنها تطارد (خيط دخان).. فتاريخها عبارة عن (كتاب دموع) تكتب سطرا في البحر.. وتمحو عشرين.. لكن قبطانها هذه المرة يعرف (التنجيم في الفنجان) ويجيد قراءة الأسفار.. ويغني قارئة الفنجان (يا ولدي قد مات شهيدا.. من مات فداء للمحبوب)..!!

أكلمت المسير.. وكلما علا الضجيج والصراخ والعويل في السفينة.. ابتسم القبطان لطاقمه.. وقال (ليتهم يعلمون) نحن ناجون.. وسنقلد بالنياشين!!

دهش الطاقم من القبطان وقال له مساعده أيضا عبر قارئة الفنجان (لكني لم أقرأ أبدا فنجانا يشبه فنجانك).