فهد الخالدي

كان المعلم ولا يزال موضع تقدير واحترام عند كافة الأمم والشعوب، وفي تراثنا العربي والإسلامي العديد من القصص والأمثلة عن احترام الخلفاء والأمراء وأبنائهم لمعلميهم وفي كل العصور، وقد أجمعت دول العالم اليوم على تخصيص يوم عالمي للاحتفال بالمعلم.. ولا شك في أن مكانة المعلم في نفوس المواطنين السعوديين عالية، فهو محل احترام وتقدير، ويضرب ولاة الأمر المثل والقدوة في ذلك، كما أن المواطنين يحرصون على إشاعة هذا الاحترام، بل ويجسدونه عملا، وهناك قصص كثيرة تؤكد ذلك ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما أورده الشيخ سليمان الراجحي بشأن قصته مع معلمه الفلسطيني وما فعله هذا المعلم معه، وحرصه الشديد بعد سنوات عديدة وبعد أن من الله عليه أن يبحث عن هذا المعلم حتى وصل إليه وكافأه المكافأة التي تليق بأخلاق السعوديين وصفات الشيخ الراجحي، وبما حفظه الشيخ للمعلم من معروف ووفاء لصنيعه معه وتعلمه على يديه، ومن ذلك العديد من القصص التي قرأنا عنها أو سمع أكثرنا عنها من بحث معلمين ومسؤولين سعوديين وغيرهم عن معلميهم القدامى والحرص على زيارتهم في أماكن إقامتهم داخل المملكة، بل وخارجها مثل مصر والأردن وغيرها وتكريمهم بعد سنين طوال من مغادرتهم إلى أوطانهم، وبعد أن كبر الطلاب الصغار وأصبحوا رجالا أوفياء لوطنهم وحريصين على صورته وسمعته في أذهان العالم وإيصال رسالة واضحة عن أخلاق السعوديين وشيمهم ووفائهم.

مناسبة هذا الحديث ما حصل مؤخرا - كما نقل لي أحد الإخوة - في حفل تكريم القيادات التربوية الذي نظمه مكتب التعليم بالقطيف، في أحد الفنادق المعروفة بمدينة الخبر، ورعاه الأستاذ فهد الغفيلي مساعد مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية نيابة عن مدير عام التعليم، حيث لفت الغفيلي الانتباه حينما لاحظ فور وصوله وجود معلمه الأستاذ مصطفى أبو الرز بين الحضور، وهو الأديب والشاعر المعروف والمشرف التربوي المخضرم، تعلم على يديه الأستاذ الغفيلي في أوائل مراحل دراسته والكثيرون غيره في المنطقة والمملكة، وأصر على اصطحابه للجلوس معه في الصف الأول ولم يكتف بذلك فقط بل بدأ كلمته باعتباره راعيا للحفل قائلا: أستاذي القدير مصطفى أبو الرز ثم خاطب بعد ذلك الحضور وأكمل كلمته.. الرسالة التي أراد الغفيلي أن يوصلها للحضور وللمجتمع أيضا متعددة المحتوى، أولها أخلاق السعوديين ووفاؤهم وقيمهم، وأخلاقه وحسن تربيته شخصيا، ثم أنه ضرب القدوة مذكرا القيادات التربوية على أهمية احترام المعلم المخلص وتقديره من جهة، وأنهم سيكونون محل هذا التقدير من طلبتهم جزاء إخلاصهم وجهدهم وإلى قادة المدارس والمعلمين تحفيزا لهم وتشجيعا وتأكيدا أن جهودهم لن تذهب عبثا فهم سيجازون عليها من الله أولا ثم يكونون محل تقدير طلبتهم وأولياء أمورهم أيضا.

وإذ نشيد بهذه المبادرة وأمثالها التي من مميزاتها أنها تنقل الأقوال عن مكانة المعلم إلى حيز الفعل الملموس، وندعو أبناءنا وزملاءنا إلى الاتصاف بها وممارستها في أفعالهم وأقوالهم. فربما يكون من المناسب أيضا الحديث عن الحالات النادرة، والحمد لله، التي يتعرض فيها بعض المعلمين إلى الأذى والإساءة من قلة من الطلاب، الذين لا تمثل أعمالهم إلا أنفسهم، وهي أعمال ما زالت نادرة ومستنكرة من المجتمع إلا أنها بحاجة إلى قرارات وإجراءات رادعة لأمثال هؤلاء الذين يعتدون باللفظ أو اليد أو تخريب السيارات على معلميهم عن جهل منهم بقيمة المعلم وجحود لجهده في تعليمهم.

كما ندعو المعلمين أيضا للحرص على قيم مهنة التعليم، وأخلاق المعلم أيضا ومكانته وأداء رسالته مما يرسخ الصورة الإيجابية والحقيقية للمعلم في أذهان الطلاب والمجتمع.. قصة الغفيلي مع مصطفى أبو الرز وقبلها قصص كثيرة من الوفاء تستحق أن تتكرر بل ينبغي أن تتكرر دائما.