كلمة اليوم

القراءة الأولية لدفع واشنطن بقوة بحرية هائلة إلى الشرق الأوسط ترسم أبعاد التوتر الأمريكي الإيراني المتصاعد، فإرسال حاملة الطائرات الشهيرة ومعدات عسكرية أخرى تترجم تلك الأبعاد، فجاهزية الرد على أي عدوان إيراني قد تكون واحدة من أسباب الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة إن قورنت باستفزازات طهران الأخيرة التي لا يمكن فصلها عن مؤشر واضح يستهدف مواجهة القوات الأمريكية في المنطقة، فعمليات نشر تلك القوات في البر والبحر تترافق مع احتمال تحولها لأهداف محتملة من قبل طهران كما أنها من جانب آخر توجه رسالة تحذيرية بردع أي هجوم إيراني، فتحريك حاملة الطائرات «يو. اس. اس ابراهام لينكولن» إلى أي منطقة لا يفسر إلا بقرب سماع طبول حرب قادمة، وهو تفسير يطفو على السطح بصورة ظاهرة إما تحسبا لهجوم إيراني مباغت من القوات النظامية الإيرانية أو من جانب الحرس الثوري أو من كليهما معا أو استعدادا لرد رادع قد يسبق فكرة الهجوم.

ومهما يكن من أمر فلا يمكن التقليل من خطورة الوضع الراهن في المنطقة حتى وإن تم ربطه وفقا لوجهة نظر إيرانية بالتصعيد الحالي بين إسرائيل وقطاع غزة، فالتحركات الإيرانية الأخيرة فسرت من قبل الإدارة الأمريكية على أنها استهداف لمصالحها في المنطقة، فسواء قامت المواجهة مباشرة بين واشنطن وطهران أو تحولت إلى حرب بالوكالة عبر طرف ثالث قد تزج به إيران إلى ساحة المعارك كحزب الله إلا أن المحاسبة الأمريكية في نهاية المطاف ستكون مع القيادة الإيرانية مباشرة، غير أن من الأسباب الرئيسة لحركات المواجهة بين الطرفين سبب يعود للعقوبات المفروضة حول طهران بسبب استمرارية إيران لتطوير برنامجها النووي وسعي واشنطن لوقف الصادرات الإيرانية من اليورانيوم المخصب.

ولعل التصعيدات الأخيرة تعود أيضا لانسحاب الولايات المتحدة المعلن في العام المنفرط بطريقة أحادية من الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى وما أعقب ذلك من ممارسات أمريكية غير خافية لتضييق الخناق على النظام الإيراني وهو يحاول بسط نفوذه داخل بعض دول المنطقة، وقد التحم السببان بتصنيف الإدارة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية فتحول العداء الإيراني ساعتئذ إلى ما يشبه التلويح بالحرب ضد الولايات المتحدة بطريقة مكشوفة للغاية لاسيما أن الهدف الأساس من العقوبات المضروبة حول طهران كما رسمته الإدارة الأمريكية يكمن في التمهيد لاسقاط النظام الإيراني من الداخل.

وإزاء ذلك نشأت المواجهة المشهودة بين الطرفين الأمريكي والإيراني وقد ازدادت حدتها من خلال التحذير الأمريكي من مغبة استخدام طهران لأي شكل من أشكال الاستفزاز، وأن الولايات المتحدة سوف تحاسب إيران عن أي هجوم محتمل على قواتها أو مصالحها في المنطقة، وتلك المحاسبة التي لوحت بها الإدارة الأمريكية أخذت شكلا عمليا من خلال نشر حاملات طائراتها ونشر قوتها الضاربة، وهو شكل ارتبط بطريقة جذرية ومباشرة بالرد على التهديدات الإيرانية وهي تهديدات تبررها طهران بالتدخلات الأمريكية في شؤونها رغم أنه تبرير واهن نظير ما يمارسه النظام الإيراني من تجاوزات سافرة في دول المنطقة والعالم.