فهد السلمان

أعظم المنجزات في العالم تخرج غالبا من ردهات الجامعات، من مختبراتها، من مراكز بحوثها، من مشاريعها العلمية، من سياساتها في صناعة الوعي كخزانات تفكير. هذا في العالم، لكني حين ألتفتُ إلى واقعنا لا أجد أي أثر لجامعاتنا في الصف الأول في قيادة التنمية، هنالك وزارات ومؤسسات كثيرة تسبقها. أشعر أنها بمحض إرادتها اختارت أن تبقى بنفس العباءة القديمة في صف متأخر لا يليق بها، وحتى حينما تبادر في تبني مشروع أو نشاط ما يتصل بمواجهة الاستحقاقات الجديدة، والتفاعل مع عصر التقنية، والذكاء الصناعي، وسيادة تكنولوجيا المعلومات، فإنها تفعل ذلك من باب تسجيل الحضور ليس إلا، دون أن تشعرك بأنها تتبنى مشروعا تريد أن تصل به إلى محطة علمية أو أكاديمية بحثية تسجل به هويتها الخاصة، وحضورها الخاص. حتى أصبحت الفروق بين كل الجامعات الخمس والعشرين تكاد تكون فروقا هامشية، أو غير محسوسة، أو شكلية، رغم أن من صمم مباني الجامعات الجديدة اختار أن يعطيها نفس التصاميم وكأنه كان يتنبأ بما ستكون عليه.

السؤال أو الأسئلة التي تدور في ذهني وأذهان كثيرين مثلي ربما، لماذا تأخر دور الجامعات في مشاريع صناعة التنمية فيما تقدمتها بعض الوزارات والشركات والمؤسسات والهيئات؟، لماذا تشابهت أدوارها وتخصصاتها إلى حد التماثل كما لو كانت نسخا مكررة؟، لماذا غابت عنها خاصية المنافسة التي تصنع التميز؟، لماذا تتراجع جامعاتنا عاما بعد عام في التصنيفات الأكاديمية الدولية؟، لماذا تبدو بعضها وكأنها تطفئ الأنوار، ولا نكاد نسمع عن وجودها إلا عند حفلات التخرج؟، ثم لماذا ترفع أسوارها عن محيطها؟. هذا فيما يتصل بال (لماذا؟) أما ال (أين) و(كيف) فلا أعتقد أن زاوية بهذه المساحة الناحلة ستحتملها. لكن السؤال الأهم الذي تواجهه أكثر الجامعات المحلية، ولا أظن أنها قد توصلت لإجابته فوق السؤال عن الهوية الأكاديمية، هو دورها في تهيئة الجيل لعصر مختلف ينذر باختفاء المهنة، وانقراض العدد الأكبر من الوظائف التقليدية، وتهيئتهم لاستيعاب وظائف المهارات المتعددة، بل واستيعاب التحولات الكبرى في مقومات الموارد البشرية، وإخراجهم من ثقافة الأنماط التقليدية؟، ذلك لأنها لا تزال هي لم تحسم أمرها في هذا المقام، دون أن تجرؤ على استحداث لا أقول كليات، وإنما أقسام جديدة تتناغم مع هذا التوجه الذي بادرت إليه جامعات عالمية، وكأنها تنتظر النتيجة لتستورد تجربتها، مما يؤكد غياب روح المبادرة، وصناعة التحدي.