عبير الدخيل

عندما كان العثمانيون يحتلون أجزاء شاسعة من الجزيرة العربية كانت هذه الحقبة يشوبها الغموض والسوداوية، فقد كانت جرائمهم في حق أهل الجزيرة العربية عامة وأهل المدينة خاصة لا تطاق ولا تغتفر، بدءا بتجويع أهل مدينة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وممارسة أبشع الأساليب لإخضاعهم، وأعظم ما فعله العثمانيون هو تفخيخ المسجد النبوي والتهديد بتفجيره من قبل فخري باشا الذي لم يراعِ حرمة المكان وقدسيته، من يتأمل تاريخ العثمانيين في المدينة المنورة يتوقف مطولا عند جريمة «سفر برلك» وهي عملية تهجير قسرية واسعة النطاق لأهالي المدينة المنورة، وهي جريمة نكراء لا تحتمل الغفران أو النسيان، فحكمهم بعيد عما يقال إنه كان إسلاميا، فهو قائم على الاستبداد والسلب وقلب الحقائق التاريخية دون أدنى مراعاة لحرمة المكان أو أبسط المبادئ الإنسانية، وأستغرب كثِيرا من الذين كانوا ولا يزالون يمجدون الترك وبعض رموزهم إلى يومنا هذا، وأعتقد أن هذا التمجيد ليس في محله مقابل كل فظائعهم في العرب عامة وأهل الجزيرة العربية خاصة، شيمة العربي «الأصيل» لا يقبل بمن عبثوا بتاريخهم ومقدساتهم ولم يهنأ لهم جفن حتى دحروهم دحرا من الجزيرة العربية مطأطئي رؤوسهم، فالترك لا يريدون سوى إعادة مجدهم المزعوم على جثث العرب وهذا أبعد إليهم مما يتصورون، التاريخ لا يغادر شاردة ولا واردة إلا ويضعها أمام أعيننا، وهو دليل لمن أراد الحقيقة الناصعة لما يكنه هؤلاء لنا.

مرورا بالأحداث التاريخية المتتابعة في الجزيرة العربية وانعكاساتها على المواطن العربي البسيط أستغرب من خضوع «الدويلة» للأتراك في العصر الحديث بعد أن كان أجدادهم يذيقونهم الويل والثبور حتى يولوا الأدبار، ولكن ذاك زمن مضى وهذا عصر تعيش فيه الدويلة التبعية المطلقة للمتلون الآفك الذي لا يجيد سوى اللطم والصراخ دون أدنى نتيجة بل الوضع لديهم بشكل عام في انحدار وقريب جدا من الهاوية. استحضرت كل هذه الأحداث المتتابعة عبر التاريخ بعد سماعي لملحمة الشاعر «ضاري» وهو الرجل الفذ سعود القحطاني الذي استطاع كشف مخططات أعداء الوطن وإسقاط أقنعتهم الشيطانية، وتوقفت عند شطر لامس الوجدان «لولا الغدر ما كان للترك مدخال» بهذا الشطر فقط استطاع الشاعر بجزالته المعهودة اختصار مجلدات وكتب من التاريخ، وإيضاح الصورة الحقيقية لكل ما يحاك حولنا حتى من أقرب جار وكان لنا بمثابة الأخ، تأملوا فقط بحال الدويلة التي غدرت بشعبها حتى أصبح للترك مدخال ونفوذ على جميع من في الدويلة، فمتى ستستيقظ من غفلتها وسباتها هذا ما ستخبرنا به الأيام قريبا جدا.