عائشة المانع

عندما كنت صغيرة، كنت مأخوذة بالعبارة التي تقول:

«إن الأم التي تهز المهد بيمينها، تهز العالم بيسارها»

كبرت بما يكفي لأعي أن المرأة التي تهز وليدها، لا تملك صلاحية عمل شيء

فضلا على أن تحك شعر رأسها.

لا أزال أذكر دمعتي المنحدرة على خدي، وأنا أهاتف والدتي من بلاد الغربة ـ بعد أسبوع من ولادتي طفلي ـ وبصوت متحشرج أسألها: أمي، هل حقا ستستمر حياتي هكذا، لا فرصة للنوم، لا فرصة للطعام، ولا حتى للحمام!

نعم أيها السادة

عن حاجات الإنسان الأساسية أحدثكم وهي التي تمثل قاعدة هرم ماسلو لاحتياجات الإنسان الفطرية.

حيث تسلب من الأنثى سلبا، عندما تهم بالدخول لعالم الأمومة.

عالم ظنته ورديا حالما، فإذا به مليء بالصراخ والبكاء،حيث حالات الطوارئ معلنة على الدوام.

تجيء المكان بوليدها ذهابا وإيابا، بين هدهدة وإرضاع، ورجاوٍ قلبية، أن يتم رضيعها غفوته المرجوة، ويتكلل الأمر بالنجاح.

وإن مرت بعض الأيام المتسمة بالهدوء، ظنت أن الأمور تحسنت، وأنها في الأمومة قد تمرست حتى تثور الزوابع من جديد، وتعرف أن الأمور غالبتها، لا هي غلبتها.

عزيزتي الأم

من قلب المعركة أحدثك

أطمئنك، لن تسيطري على الوضع!

نعم بكل بساطة أقولها، ستغلبك الأمور مرارا، دعي فن إدارة الأزمات لأصحابها من السياسيين والاقتصاديين واستمتعي أنت بالأمومة.

استمتعي بها كما هي، بالتعب الذي يشكيه جسدك، لأنك أمسيت ليلك نائمة على الكرسي

وأنت تهدهدين رضيعك الذي جفا النوم عينيه.

استمتعي بالصخب الذي يعم المكان، ببكائه وصراخه، حتى ينتهي الأمر، وقد تسلل الصداع إلى رأسك.

استمتعي برائحة طفلك، التي تعبق بالحليب والذي لا يكاد أن يبقي منه شيء في معدته، حتى يلطخ ثيابك من ارتجاع مريئي في الوقت الذي انتهيت فيه للتو من الظهور بكامل زينتك.

ونصيحتي لك

لا تدعي هذه الفترة تمضي من حياتك حتى تسعي للحصول على حقك كاملا فيها.

انتهزي فرصة ممارسة أمومتك. كوني لطفلك احتواءه الأول، وابني بينكما علاقة لا تضاهيها علاقة في هذا الوجود.

دعيه يشعر بقربك وحنانك، في كل مرة يلقم فيها ثديك.

اشبعي شغفك وأنت تعيشين معه نداء الفطرة،

وهو يتلفت باحثا عما يغذي روحه قبل جسده.

في الوقت الذي تمتلئين فيه أمانا واطمئنانا.

وتريثي

صحيح أن كأس الأمومة له لسعة مرة، لكن رويدا رويدا ستصلين حد الثمالة.

ستعرفين ذلك، عندما يهديك طفلك ابتسامته الأولى.

يهديك حبه وامتنانه أن أصبحت له أما وتحديت الصعاب لتكوني بوابته للحياة.

سيكبر بين يديك وتحت ناظريك، وسترين الحياة من خلاله كيف تغدو حالمة سعيدة

حينما يقهقه مشدوا، وكيف تضيق الأرض بما رحبت إن شكا هما أو وجعا.

عزيزتي الأم

هوني على نفسك وأنت ترين من حولك كل وقد انشغل بمشروعه، ساعيا وراء تحقيق ذاته.

وتذكري

أن طفلك هو مشروعك الأول، لهم الحاضر.. ولك المستقبل!