نجيب الزامل

لو كان للمقال بهذه الجريدة عنوان، ولو كنت أكتب بها أكثر من مقال في الأسبوع لسميتُ هذا اليوم، تأسيا بعميد الأدب العربي طه حسين، بحديث الأربعاء. وعندي شهية غريبة في هذا اليوم غامضة وملحة في رواية القصص عن الحضارات والأشخاص صناع الحضارات، وخصوصا القصص غير المطروقة والطريفة.. وأود الزعم أنها مفيدة.

اليوم طرأ علي تولع المستشرقين وغير المستشرقين من الأدباء والعلماء والرحالة والمفكرين بمصر، وعلى رأسهم نابليون الذي كان له شغف خطير بمصر، فقام بحملته المشهورة عنها. ولا أكاد أقرأ عن هؤلاء الأجانب إلا وأكثرهم إما عاش بمصر، أو مر عليها وأثرت عليه في بقية حياته أو في أعماله.

الذي اخترت أن أحدثكم عنه اليوم هو شاعر الأنس والهمس والحب، الشاعر العذري -نعم العذري- رينر ماريا ريلكه. ولئن يكن ريلكه بموطنه أوروبيا نمساويا- تشيكيا ومن كبار شعراء الأمة الجرمانية، إلا أنه بفكره وشعره وروحه ينتمي إلى تلك السلالة الممتازة من شعراء الفروسية العربية المثالية. ولا غرابة، فالكثيرون من الذين عرفوه وكتبوا عنه يؤكدون أن ذكراه قد ارتبطت عنده بمصر التي أقام فيها بعضا من أيام شبابه، فكان لها أثر بالغ في خياله وعاطفته.

ولقد أُعجِب ريلكه بفتاةٍ مصرية من الإسكندرية وقطف من أجلها وردة ومدها لها، إلا أن شوكة بساق الوردة جرحت جلد أصبعه الرقيق، وهو الجرح الذي بقي ملتهبا.. ثم أودى بحياته. نعم هو الإنسان الرقيق الذي هفت روحُه للجمال.. ثم قتلته زهرة.

ريلكه يصرح في أكثر من مناسبة بأن مصر العربية القبطية الفرعونية واليونانية تمثل لذهنه الأحاسيس النادرة، وتخبط الإلهامات الرائعة.

أحد خلصاء الشاعر ريلكه يقول عنه، إنه في الشهور الأخيرة من حياته عكف على قراءة القرآن، فشغف فيه شغفا شديدا، وشحذ همته لدراسة الإسلام فوجد فيه راحة وشاعرية وصفاء.

وسميته بالعذري لأنه أحب فتاة عذراء اسمها فيرا حبا عفيفا خالصا.. وظل حبها ملهما لأشعاره طول حياته.