فهد الخالدي

الذوق العام مصطلح أخلاقي ذو دلالات واسعة تشمل كل ما من شأنه احترام قيم المجتمع وأخلاقه وأعرافه وقبل ذلك طبعًا عقيدته، وفي مجتمع مثل المجتمع السعودي الذي تربى منذ توحيد هذه البلاد على احترام أحكام الدين الحنيف الذي ارتضاه الله نظامًا للحياة بكافة جوانبها، وإضافة إلى أعراف المجتمع وقيمه التي لا تتعارض مع هذه العقيدة الوسطية التي لا تحرم حلالاً ولا تحل حرامًا والتي تعتبر كل شيء مباحا ما لم يرد فيه نص، ومع ذلك فإن بعض السلوكيات التي وإن كان أكثرها- والحمد لله- لا يرقى إلى شكل الظاهرة تقتضي أن يكون هناك من الأنظمة ما يردع عن ارتكابها، خاصةً وقد اتسعت المدن ولم تعد تقتصر على وجود المواطنين بل أصبحت تضم العديد من الجنسيات والملل والتي تختلف فيها العادات والتصرفات، كما أن سلوكيات البعض وخاصة الشباب تتأثر بما تنقله وسائط التقنية الحديثة مما يغري بعضهم بالتقليد الأعمى الذي يضر ولا ينفع.. ولم يغب كل ذلك عن اهتمام ولاة الأمر ولا عن اهتمام أهل الحل والعقد حيث خصص مجلس الشورى جلسات عديدة لبحث هذه الأمور تمخضت عن إقرار اللائحة التنظيمية للمحافظة على الذوق العام. ووفق ما نشر عن هذه اللائحة فإن النظام يتضمن عقوبات مادية على كل من ينتهك منظومة القيم والأخلاق في الأماكن العامة أو يسبب ضرراً لمن يرتاد هذه الأماكن من المواطنين والمقيمين وتصل هذه العقوبات في حدها الأقصى إلى خمسة آلاف ريال تضاعف إذا تكررت المخالفة، وقد حددت اللائحة العديد من التصرفات والسلوكيات التي ستطبق هذه العقوبات بحق من يرتكبها ومنها ارتداء لباس غير ساتر أو محتشم أو يحمل صوراً أو عبارات تسيء إلى الذوق العام، إضافةً إلى الكتابة أو الرسم على الجدران ما لم يكن ذلك مرخصًا به، وكذلك إلى التلفظ بأي قول أو القيام بأي فعل في الأماكن العامة قد تؤدي للإضرار بالموجودين في نفس المكان أو إزعاجهم وإخافتهم أو تعريضهم للخطر، كما حددت اللائحة الجهة المناط بها تنفيذ النظام والمباشرة في رصد المخالفات وإيقاع العقوبات على من يرتكبها وهما وزارة الداخلية وهيئة السياحة. ولا شك أن صدور هذه اللائحة جاء في الوقت المناسب حيث إن أحكامه ضرورية وخاصةً في الأماكن العامة التي تزدحم بالمواطنين والمقيمين مثل الشواطئ والمتنزهات والأسواق وكذلك مواقع الاحتفالات العامة وربما المباريات الرياضية، حيث تحدث مثل هذه المخالفات التي تسببت في كثير من الأحيان ليس في إزعاج الموجودين وتفويت فرصة الاستمتاع والترويح التي يهدفون إليها من وجودهم في مثل هذه الأماكن فقط ، بل حتى في بث الفزع والخوف والفوضى بل أكثر من ذلك أيضًا وقوع بعض الأضرار المادية والجسدية نتيجة عدم مسؤولية بعض الأطراف، ومن ذلك أيضًا ما يقوم به بعض الشباب من لبس السراويل القصيرة في الأماكن العامة أو التجمهر والقيام بحركات التفحيط وتشغيل آلات تسجيل السيارات بصوت مرتفع وغير ذلك من المخالفات والمضايقات التي سوف يحد هذا النظام من تكرارها بالتأكيد، لا سيما وأن الجهات المكلفة بتطبيق أحكامه لن تتردد أبداً في ردع كل من يرتكب مثل هذه المخالفات وأعتقد أنه لن يغيب عن أصحاب العلاقة من المسؤولية أن حملة إعلامية شاملة وعن طريق كل الوسائط المتاحة ينبغي أن تسبق البدء بالتنفيذ لأن الهدف من النظام هو المحافظة على الذوق العام أولاً وتعزيز التوجهات الإيجابية وليس العقوبات والغرامات ولعل الجامعات والمدارس والمساجد ومحطات البث الإذاعي والمرئي والصحف مدعوة أيضًا للمشاركة في هذه الحملة وصولاً إلى أن يصبح المحافظة على الذوق العام احترامًا للقيم وليس خوفًا من المخالفات.