د. فالح العجمي

كنت في مناسبات متعددة أشير إلى أهمية أن يُدرج تعليم قضايا السلوك المفترض في الأماكن العامة ضمن مناهج التعليم في المدارس، وأجد في أغلب الأحيان تفاعلاً باهتاً من الناس الذين يستمعون إلي، أو يقرأون طرحي في هذا الشأن، أو حتى يتجاذبون معي أطراف الحديث عندما يكون طرح الموضوع في نقاشات خاصة. وأجد من الضروري أن أعيد إثارة القضية الآن بعد أن ظهرت بوادر في وزارة التعليم على رغبتها في نفض الغبار عن مناهجها وطرق تدريس النشء، من أجل تجهيز أفراده مستقبلاً لمعترك الحياة، الذي لن يتيح لهم التعلّم المتأخر إلا بدفع ضرائب باهظة الثمن عليهم وعلى المجتمع المتضرر كذلك من هذا القصور.

ومما يجعل مثل هذا الموضوع ماثلاً أمامي في كثير من مواقف الحياة اليومية، أن أعداداً كبيرة من أفراد المجتمع، وأغلبهم في سن الشباب، يفتقدون بعض أبجديات التعامل في الأماكن العامة وفي الطرق وشوارع المدن والقرى، مما ينبئ أن هناك نقصاً في تزويدهم بمبادئ رئيسة تعينهم على تقدير المواقف، وصياغة الأفعال وردود الأفعال المفترضة في كل حالة. ومن أجل توضيح ما أعنيه بتلك المواقف والحالات، أسرد بعض الأمثلة التي تبين نوعها، والسلوك المفترض في كل حالة: ففي نادٍ رياضي، وخلال ركضي في المضمار الضيق نسبياً؛ حيث لا يحتوي سوى مسارين في مستطيل علوي فوق المسبح، أجد بعض من يمشون ببطء في المسار الثاني المخصص لسرعة أكبر من المسار الأول المخصص للمشي. ومع ذلك هناك من يمشي فيه مستخدماً جواله في مكالمات أو تصفح لبعض البرامج، ثم ينتقل عند انتهاء أحد أضلاع المستطيل من مسار إلى آخر، دون الانتباه لمن يسير بسرعة أكبر منه أو يركض خلفه، مسبباً الاصطدام بينهما. فهل يحتاج مستخدم هذا المضمار إلى الحديث مع كل فرد عما يلزمه لاستخدام هذا المكان العام، أم يحتاج إلى التحدث مع إدارة النادي لتقوم بتوعية المشتركين فيه، أم هي مهمة مؤسسات التعليم لتوعية النشء بكامله بدلاً من إغراق المناهج بتفصيلات في معلومات جغرافية لا نهاية لها عن كل البلدان في العالم، ودينية عن أدق التفاصيل الفقهية، ولغوية عن تفاصيل القضايا النحوية المملة للتلاميذ في عصرنا الحاضر؟

وأمثلة أخرى في النادي الرياضي وغيره توضح ما أقصده في مدونة السلوك المفترضة؛ ففي المسبح، على سبيل المثال، تكون السباحة في خطوط طولية معلّمة بوضوح في قاع المسبح. ويأتيك من يسبح بالعرض، ويصطدم بالآخرين دون إحساس منه بأنه مخطئ أو مخالف لتنظيم استخدام هذا المرفق؛ بل حتى دون اعتراض المشرف على المسبح، في دلالة على أن الجميع لا يهمهم تنظيم المكان العام لخدمة أفضل وسلامة أعلى واستمتاع بالنشاط الرياضي الممارَس. أما بقية الأمثلة، فلا بد أن كثيراً من القراء يشاهدونها في مواقف السيارات، حيث نجد من يوقف سيارته مائلة، لتحتل أكثر من موقف، بينما يكون غيره في حاجة إلى إيقاف السيارة. كما يثير من يهتم بالتنظيم في مجتمعنا مشاهد خروج الناس من المصاعد ودخول الآخرين إليها؛ حيث يصطف كثير ممن يجهلون السلوك المفترض للوقوف بانتظار وصول المصعد أمام باب المصعد مباشرة (في الوسط)، ثم يندفعون للدخول دون انتظار خروج من هم بداخله؛ فتحدث حالات ارتباك وتأخير واستياء غير مبررة!.