د.سمية السليمان

توجد تعريفات متعددة للقيم ولكن في مجملها تتفق التعريفات على أنها مجموعة من الصفات والأخلاقيات والمبادئ والسلوكيات التي يقدرها البشر وتحكم علاقاتهم. وإن تعدينا هذا التعريف قليلا يمكننا القول إن الالتزام بالقيم له تأثير في تشكيل المجتمعات بحيث ينتمي للمجتمع الواحد الأشخاص الذين يلتزمون بالقيم ويتشاركون بها كنوع من الاتفاق على ما هو مهم.

على مستوى الناس أَجِد القيم تسبب أكبر إشكال عندما نتبنى القيم قولا وليس فعلا. فهذه ظاهرة منتشرة عند البعض ولعل كلا منا قد اختبر قيمة من قيمه فلم ينجح في الامتحان وإن كان مرة على الأقل. وبينما البعض يصارع نفسه ليلتزم قدر المستطاع قد يكون هناك من لا يعلمون أن الأفعال يجب أن تطابق القول ليعتبر متبنيا للقيمة.

ولكن ماذا عن المؤسسات والشركات؟ في الخطط الإستراتيجية بغالبها رؤية تحدد الحلم الذي يطمحون الوصول إليه، تليها الرسالة التي تحدد كيف سوف يصلون وقبل الدخول على الأهداف الإستراتيجية نجد الغالبية يكتبون قيمهم التي تحدد ثقافة المؤسسة والعاملين بها بحيث تكون التعاملات الداخلية والخارجية متسمة بتلك القيم. أول ما تعلمت معنى القيم التي تضعها المؤسسات في خططها الإستراتيجية تعلمت أن هذه بمثابة الميثاق والوعد بأن التعاملات مع الموظفين والعملاء سوف تتسم بهذه القيم، وأن مخالفتها تعرض المؤسسة للمساءلة وقد يصل الأمر إلى القضاء نظرا لعدم الالتزام بها.

هناك قيم مؤسسية منتشرة منها الاحترافية والشفافية والمصداقية وغيرها الكثير. كلمات ذات معانٍ عميقة نادرا ما نرى لها انعكاسا في واقع تعاملات المؤسسات. اختيار القيم لدى الإدارات العليا قد يكون بمثابة أماني لبيئة عمل مثالية وأحيانا قد تصدق جزئيا. هل تعرف القيم التي ترفعها جهة عملك؟ هل توقفت يوما لتفكر بمعناها وكيف تنعكس على العمل والموظفين والعملاء؟ هل تجد السلوكيات اليومية مطابقة للقيم؟

لعل الفجوة بين الواقع السلوكي والقيم المأمولة تتطلب بعض التوضيح لسدها. فنحن نحتاج إلى خطوة إضافية لتحديد السلوكيات التي تترجم هذه القيم على أرض الواقع وبطريقة سهلة الفهم والتطبيق. لو أخذنا مثلا قيمة «الاحترام» فإنها قد تعني أشياء مختلفة وتفسر بعدة سلوكيات. على سبيل المثال يمكن أن تعني: احترام وقت الآخرين وقد تتمثل بتقليل مدة انتظار العملاء أو بسرعة الرد على البريد الإلكتروني مثلا. يمكن أن تعني احترام الحدود الشخصية للناس أي أن بيئة العمل لا تشجع على القيل والقال ولا تسمح بتداول القصص الشخصية لمن هم ليسوا متواجدين. أما قيمة الولاء التي تطلبها المؤسسات من موظفيها فهي قيمة ذات اتجاهين. فكما تتوقع المؤسسة ولاء موظفيها فإن الموظفين والعملاء في المقابل من حقهم أن يتوقعوا الولاء تجاههم كذلك. وقد يختلف الولاء في مفهوم كل منهم. أعتقد أنه حان الوقت لتفسير القيم المؤسسية وتحويلها إلى سلوكيات محددة لئلا تكون من المثاليات التي لا يعرفها ولا يطبقها أحد. ثقافة بيئات عمل المؤسسات لن تقترب من القيم المطلوبة إن لم تكن واضحة كسلوكيات يمكن اتباعها.