د.عادل غنيم

من المشكلات التي تعيق التعلم غياب أو ضعف شعور الطالب بالمسؤولية تجاه تعلمه، والأدهى من ذلك أن نجد معلما يعاني من نفس المشكلة، فماذا تنتظر أن تكون النتائج من ضربتين على الرأس؟

هناك إستراتيجيات حديثة تسعى إلى إكساب الطالب إحساسه بالمسؤولية والالتزام ومن أهمها إستراتيجية التعلم بالتعاقد Learning By Contract LBC ويمكن من خلالها التعبير عن التزام الطالب أو مشاركته في التعليم، حيث تحمل الإستراتيجية الطالب مسؤولية تعلمه وأنماطها، ومن ثم اتخاذ القرار بشأنها، وذلك بالتعاون مع المعلم، وهي تأخذ شكل التفاوض يتوصل الطالب من خلاله لقرار بشأن تعلمه، ومن ثم يُحرر به عقد أو وثيقة مكتوبة تتضح فيها أبعاد الاتفاق بدقة بين المعلم والطالب، بحيث يلتزم الطرفان بعناصر هذا الاتفاق في أثناء المرور بالخبرة التعليمية.

ففي هذه الإستراتيجية يتم تقاسم مسؤولية التعليم والتعلم بين المعلم والمتعلمين ومقاربة تشاركية تعاونية عبر الاتفاق الصريح والواضح والمكتوب على الالتزام بأداء مهام أو تنفيذ مشاريع معينة. كما أنها تطرح بدائل تربوية للعقاب بكافة أنواعه، وإيجاد حلول المشكلات الصفية التي يصادفها المعلمون في فصولهم الدراسية.

وتتسم صيغة أو إستراتيجية التعلم بالتعاقد بعدد من الخصائص ومنها:

الإلزامية: حيث يتحمل فيها الطالب أعباء تعلمه، وتلزمه بتحقيق الأهداف التي يسعى لتحقيقها،، كما أنها إلزامية للمعلم من حيث وجوب تقديم المساعدة والمواد والوسائل التي يتعلم الطالب من خلالها.

وضوح الأدوار: فهذه الإستراتيجية تحدد ملامح عمل كل من الطالب والمعلم بدقة، وأدوار كل منهما في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة، وهو ما يتضح بدقة من خلال العقد المبرم بين الطرفين، وبذا يكون التعلم بالتعاقد من صيغ التعليم التي لا تهمل دور المعلم بل تزيده فاعلية، وتوجهه إلى الوجهة التي تحقق له ولطلابه الاستقلالية في التعلم.

تنوع مصادر التعلم وطرقه وأساليبه: تنوع مصادر التعلم والطرق والأساليب والوسائل ضرورية لإتاحة بدائل أمام الطالب للاختيار والتفاوض حولها.

المرونة: تتيح هذه الإستراتيجية للطالب فرصة تغيير البدائل التي يختارها لتعلمه في مرونة تسمح له بتحقيق الأهداف، وذلك بتوجيه وإرشاد من المعلم.

وتمر إستراتيجية التعلم بالتعاقد بمراحل ثلاث، تبدأ الأولى بمرحلة الاندماج ((Engagement) وفيها يدرك المتعلمون الصورة العامة لما سيدرسونه وما هو مطلوب منهم تعلمه والقيام به، ويعني ذلك أن يدرك المتعلم الأهداف التي يسعى لتحقيقها، وتتضمن هذه المرحلة تفاوضا بين المتعلمين بعضهم بعضا، ثم مرحلة الاستكشاف (Exploration)

وفيها يستكشف المتعلمون المسار الذي سيتحركون فيه عبر الموضوعات والمكونات الفرعية، كما يتعرفون على مصادر التعلم المستهدفة مثل: الكتاب المقرر، أو الأقراص المدمجة، أو مواقع الإنترنت، أو التجارب المعملية، وأخيرا مرحلة التأمل (Reflection)، وفيها يتأكد المتعلم من بلوغه النتائج المستهدفة وأنه تعلم ما هو متوقع منه، وأن يعي جوانب الاستفادة مما تعلمه، ويستشرف إلى تحديات جديدة لمعرفة جديدة، فتنمو لديه الدافعية الذاتية للتعلم المستمر.

ودور المعلم مهم لإنجاح هذه الإستراتيجية من خلال دوره كمقوم ومقدم للتغذية الراجعة لطلابه تساعدهم على تصحيح مسارات تعلمهم، والتفاوض معهم من جديد لإقرار صيغة جديدة للعقد عند الحاجة.

والعقد الذي ينظِّمُ علاقة المعلِّم والمتعلِّم ليس عقدًا معرفيًّا فقط، بل هو - كذلك - عقد تربوي يعنى بالآداب والقيم..

ومن أمثلة التعليم النبوي بالتعاقد عقد (حق الطريق) الذي تتضح فيه آداب الاستخدام وضوابطه كما في حديث أبي سعيد الخدري حيث قال النبي لمن يعلمه من صحابته: ( إيّاكُمْ والجُلُوسَ بالطُّرُقاتِ فقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما لنا مِن مَجالِسِنا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فيها، فقالَ: إذْ أبَيْتُمْ إلّا المَجْلِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قالوا: وما حَقُّ الطَّرِيقِ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذى، ورَدُّ السَّلامِ، والأمْرُ بالمَعروفِ، والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ) صحيح البخاري ٦٢٢٩.