حوار: حذيفة القرشي

مندوب الصومال لدى منظمة «التعاون الإسلامي» لـ «اليوم»:

أكد المندوب الدائم لجمهورية الصومال لدى منظمة التعاون الإسلامي، عبدالرزاق سياد عبدي، أن إنشاء المملكة لكيان البحر الأحمر، يمثل خطوة في غاية الأهمية، وأتت في وقت كانت فيه الأمة في أحوج ما تكون إليها، لحماية المقدسات الإسلامية أكثر من أي وقت مضى، في ظل التدخلات المتلاحقة، مع تواصل الاختراقات.

وأوضح سياد عبدي خلال حديثه لـ «اليوم» استغلال إيران تواجدها الدبلوماسي في الصومال في تجنيد الحركات المتطرفة وتدريبها وتمويلها، كاشفا عن تواجد مد بشري صومالي للميليشيات الحوثية في اليمن التي استغلت الظروف الصعبة للشباب القادمين من الصومال بصورة غير شرعية وسط إغرائهم بالمال والوعود الزائفة للالتحاق بهم، وهناك العديد منهم كانوا في الخدمة العسكرية أو من الحركات المتطرفة التي تمولها إيران في الصومال، مشيرا إلى التعاون مع المملكة والأشقاء في التحالف لإيقاف هذا المد البشري الذي يأتي بصفة غير قانونية ويتم استغلالهم بصورة لا إنسانية من قبل الحوثي، وفي حال إيقاف هذا المد سيساعد في تقليل الفئات المقاتلة لهم.

ֺֺ ما أهمية تأسيس المملكة لكيان البحر الأحمر والصومال أحد أعضائه؟

- إن التحالف الأخير الذي تأسس في المملكة، وشاركت فيه الصومال، له أهمية بالغة حيث جاء في الوقت المناسب وسط تحديات أمنية كبيرة، مع وجود محاولات إيرانية للتحكم في الملاحة البحرية والسيطرة على الممرات الدولية عبر الميليشيات الحوثية، كما أنها دعمت الحركات الإرهابية في الصومال.

وكما هو معلوم البحر الأحمر يقع في قلب قارات العالم وهو شريان حيوي يستحق الحماية والدفاع عنه، وجهد موفق من قبل المملكة بتأسيس ذلك الكيان، وانضمام الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وهذا يؤكد دور السعودية القيادي في حفظ أمن واستقرار المنطقة والمقدسات الإسلامية.

وما فعلته المملكة ليس غريبا على دورها العظيم في خدمة الإسلام والمسلمين.

وجاء هذا التحالف في وقت كانت الأمة أحوج ما تكون إليه من أي وقت مضى، في ظل كثافة التدخلات والاختراقات، وتعرض التجارة الدولية إلى مخاطر التفجيرات الإرهابية والسطو على البضائع في أهم شريان للسفن التي تمد العالم بالطاقة.



ֺ ما الدور الذي من الممكن أن تلعبه الصومال في هذا الكيان؟

- الصومال ترحب بأي تواجد لتحالف كيان البحر الأحمر على أراضيها، ودعم وحماية تجارة البحر الأحمر، كما ترحب أيضا بتقديم الدعم العسكري واللوجستي الدولي والإسلامي للقوات الصومالية المشاركة في خفر السواحل، ودعم جميع المنافذ البحرية الصومالية لتأمين بوابة البحر الأحمر الجنوبية.

وترحب بلادنا بأي دور لحماية أمن المقدسات الإسلامية والمنطقة والبحر الأحمر، وتوافق على المشاركة الدولية لقوات التحالف على أراضيها، بحسب المعاهدات والاتفاقيات التي تسمح بتبادل الخبرات والمعلومات وتبادل التعاون المشترك الذي يضمن أمن تلك الدول.

ֺ هل استقر الصومال بعد عقود من الصراعات والحروب؟

- نظام الحكم في الصومال ديموقراطي يأتي ضمن الانتخابات، وهو نظام برلماني جمهوري يكون من قبل المشايخ والقبائل، ويسمى بالتفاهم القبلي أو الديموقراطية القبلية أو العشائرية، وهناك توجه في المستقبل القريب لأن تجرى الانتخابات ضمن الصناديق المعروفة دوليا في الديموقراطية الحديثة.

هذا النظام ساعد كثيرا في نزع فتيل القبائل المتصارعة التي تسببت في حروب أهلية سابقة، والآن لا يوجد تحد أمني إلا ما تفعله الميليشيات المتطرفة سواء تنظيم داعش أو حركة الشباب الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تعد الخطر الحالي الوحيد في أمن الصومال.

لقد قدمت الحكومة في الصومال الكثير من التضحيات والجهود، واستولت على العديد من المناطق التي أضحت الآن تحت سيطرتها، وتعمل الحكومة الصومالية لإعادة والاستقرار ومواجهة هذه التحديات.

ֺ هل هناك تعاون مع المملكة في مكافحة الإرهاب؟

- نعم، هناك تعاون مع المملكة لإدخال التجربة السعودية الناجحة في مكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف وإحلال السلام، مثل حملة سكينة وبرنامج المناصحة في مركز محمد بن نايف، وبرنامج الاعتدال، والعديد من الجهود والنجاحات التي حققتها المملكة في نبذ التطرف وبرامج الاصلاح الفكري.

وشهدت الصومال تطورا كبيرا في المجال الأمني، وبدأت معالم التطور العمراني في الظهور، بالإضافة لاستقطاب المستثمرين وإعادة الأنشطة الاقتصادية في أرجاء البلاد أهمها الزراعة، والصومال تمتلك العديد من المقومات الاقتصادية التي لم تستغل، فلديها أطول ساحل في القارة الإفريقية بطول يبلغ 3300 كم، يضم البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي.

عبدالرزاق خلال حديثه للزميل القرشي (تصوير: عبدالرحمن اليزيدي)


ֺ ما الدعم الذي تقدمه السعودية للصومال؟

- المملكة قدمت دعما غير مسبوق للصومال، منذ الحملة الوطنية السعودية لإنقاذ الشعب الصومالي والتي جمعت مئات الملايين لبلادنا، وشارك فيها الشعب السعودي الشقيق وقيادته، لتسطر آنذاك أروع الأمثلة في الأخوة الإسلامية والعربية. والآن يقدم مركز الملك سلمان للإغاثة أعمالا خيرية جلية خارج الدور التقليدي، في توفير المساعدات بصورة موسمية أو تقديم سلات غذائية، بالإضافة إلى مشاريع البنى التحتية وإعادة بناء الصومال والمساهمة في تشييد العديد من المستشفيات والمدارس، وإعادة تأهيل المنشآت الحكومية الخدمية، وتقديم المساعدات الطبية.

دور المملكة لا يخفى على الجميع في مبادراتها الخيرية والإسراع بتقديم المساعدات والتي وصلت إلى 6 مليارات ريال خلال العقدين الأخيرين لإعادة الإعمار من البنية التحتية إلى المستشفيات والمدارس والمعاهد، ودعم ميزانية الحكومة، وتدريب أجهزة الأمن وتوفير الأسلحة للجيش لمحاربة الإرهاب وأعمال الإغاثة والمشاريع الإنسانية وإيصال الأدوية واللوازم الطبية للعيادات ونقل الجرحى والمرضى إلى المملكة ومعالجتهم.

ֺ كيف ينظر الصوماليون إلى ما تقدمه المملكة؟

- المملكة هي الدولة الوحيدة التي تقدم الدعم للصومال منذ أزمتها دون مقابل، وهو دعم لم يتوقف في أي وقت، ولم يكن يوما لغرض، مثل دول أخرى ساعدت من أجل مصالح وأجندات خاصة بها، والدعم الذي تقدمه المملكة غير مشروط، والمملكة كسبت ثقة الصومال حكومة وشعبا، وساهمت المملكة في إنقاذ الدولة من السقوط والانهيار في تسعينيات القرن الماضي، كما استضافت المملكة أعيان ومشايخ القبائل والفرقاء والمتخاصمين لتوحيدهم للحفاظ على الدم الصومالي.

ونحن بصدد إنتاج فيلم وثائقي عن جهود المملكة تجاه الصومال، كتخليد لمواقف السعودية المشرفة تجاه الصومال تحت عنوان «التعريف بجهود المملكة في دعم الصومال»، بدعم من المندوبية الدائمة لمنظمة التعاون الإسلامي.

ֺ كيف استطاعت الحكومة الصومالية القضاء على القرصنة؟

- القرصنة في الصومال اختفت حاليا ولا يوجد لها مكان حيث قضي عليها تماما، وكانت هناك جهات خارجية تدعم تلك القرصنة والتي وصلت إلى مغزاها بعد ارتفاع رسوم التأمين للبواخر، والقراصنة كانوا بدائيين جدا مقارنة بحجم السفن والبواخر التجارية العملاقة، وهذا دليل على دعم تلك الحركات التي تمارس القرصنة وتمويلها تحت غطاء خارجي من منظمات قرصنة دولية كانت تمد تلك الحركات المتواجدة في عرض البحر بالتقنيات الحديثة ونظام ( GPS ) وهناك أدلة أن هذه صناعة أُنشئت خارج الصومال، مستغلة شبابه العاطل، وظهرت القرصنة مع بدء التعديات العديدة على شواطئ الصومال، منها رمي النفايات السامة، والصيد غير المشروع التي جاءت مع انهيار خفر السواحل إبان الحروب الأهلية. ومنذ 3 سنوات لم تعد هناك أية عمليات للقرصنة في الصومال، بينما ارتفعت وتيرة الحركات الإرهابية والتفجيرات والاغتيالات والسيارات المفخخة.

ֺ كيف جرى هذا التحول ومن كان يقف وراءه؟

- يجب حشد الجهود الكبرى لمحاربة التطرف في الصومال وشل هذه الحركات في معظم المناطق، مع أهمية التنسيق الأمني مع دول الجوار للقضاء على تلك الحركة التي لا ينقطع التمويل الخارجي عنها، وتقديم برامج عسكرية من خلال تدريبهم وتسليحهم من قبل إيران، وهذا ما دفع بالحكومة لتقطع علاقاتها مع نظام طهران، وطردنا دبلوماسييها الذين جندوا ومولوا الحركات الإرهابية المتطرفة.

فحكام طهران أمنوا الدعم الكامل للحركات لممارسة الأعمال الإرهابية وصناعة المتفجرات والاغتيالات.

والحكومة الصومالية ضيقت الخناق وتم القبض على العديد من قيادات تلك الحركة واستسلم منهم البعض، فيما غير بعضهم توجهاته بعد اتضاح حقيقة تلك الحركة في مدى إضرارها بالإسلام وبوطنهم الصومال.

بعد ذلك اتجهت بعض هذه الجماعات إلى الدول المجاورة، وهذا ما شاهدناه في حادثة فندق نيروبي بكينيا مستهدفة السياحة، مما شكل تهديدا حقيقيا لأمن المنطقة، ودقت تلك العملية ناقوس الخطر، لتوضح أنها حركة إرهاب دولية، بعد استطاعتها تجنيد أفرادها في الخارج وتطوير صناعة الإرهاب لديها.

ֺ ما طبيعة العلاقة بين هذه الحركات في الصومال والحوثيين باليمن؟

- الحوثي يستغل الظروف الصعبة للشباب الصومالي الذين يهاجرون إلى اليمن بشكل غير شرعي، ويتم إغراؤهم بالمال والوعود الزائفة لتجنيدهم، وعديد منهم أدوا الخدمة العسكرية أو عملوا ضمن حركات متطرفة تمولها إيران في الصومال، وهؤلاء يأتون من منطقة معروفة في الصومال، وتتعاون الحكومة مع المملكة والأشقاء في التحالف لإيقاف هذا المد البشري الذي يأتي بشكل غير قانوني ويتم استغلالهم بصورة لا إنسانية من قبل الحوثي.



ֺ كيف تتعاملون الآن مع ظاهرة العنف والإرهاب؟

- الصومال إحدى الدول الإسلامية التي تعاني من ظاهرة التطرف والعنف، نتيجة هشاشة الأمن الفكري للدولة والمجتمع، ما جعلها عرضة للكثير من الاختراقات الفكرية المتطرفة، ولهذا تعمل المندوبية الدائمة لجمهورية الصومال الفدرالية لدى منظمة التعاون الإسلامي على إقامة مؤتمر دولي كبير عن «الأمن الفكري ومكافحة التطرف» خلال نهاية أبريل 2019 في مقديشو؟ وهذا المؤتمر سيكون الأول من نوعه في الصومال، وسيحضره نخبة من الخبراء وعلماء الدين لحماية الأمن الفكري ومقارعة الفكر بالفكر وحماية النشء من فكر الجماعات الضالة وسيتركز النقاش حول ثلاث قضايا أولها ماهية الأمن الفكري، وثانيا الشباب والأمن الفكري، وثالثا مواجهة الفكر المتطرف، وسيكون أهم أهداف هذا المؤتمر هو تحديد مكامن الضعف والقوة في حصانة المجتمعات المسلمة.