سكينة المشيخص

المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل عمل إستراتيجي أساسي في جميع عمليات التنمية، فلا يمكن أن يتم التعليم لمجرد تعليم أي أحد وتركه يواجه مجهولا بعد انقضاء فترة دراسته، ليصبح مشروع عاطل أو ينضم إلى قوائم البطالة، فلا معنى حقيقي لذلك، وإنما المطلوب أن يتم القبول واستيعاب الطلاب في التعليم العالي بحسب خطط الحاجة للمتعلمين في مختلف مجالات التنمية والعطاء، بحيث يشمل ذلك القطاعين العام والخاص، وألا ينصب التركيز على الوظائف فقط، وإنما لا بد من النظر بعين الاعتبار لتقديم وطرح فرص في مجالات الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والريادية.

في ظل رؤيتنا للمستقبل، التي نتوقع أن نجني ثمارها في السنوات المقبلة، يمكن أن نلمس توازنا مهما فيما ذكرته، وأول إشارات ذلك ما قرأته أخيرا عن تنظيم جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن متمثلة بمركز الإرشاد المهني والدعم الوظيفي بالتعاون مع أكاديمية أرامكو للتدريب وشركة علو لتنمية القدرات، برنامج (إعداد وتأهيل الخريجات لسوق العمل 2019)، الذي يهدف إلى تهيئة طالبات وخريجات الجامعة للاستفادة من الفرص الوظيفية التي ستتوافر في يوم المهنة الذي سيقام نهاية فبراير الجاري.

وبحسب مسؤولي المركز، فإن ذلك يأتي في إطار استشعار أهمية إعداد وتأهيل الطالبة والخريجة لخوض غمار المنافسة في سوق العمل، وذلك عبر التحاقها بهذه الأنشطة التي تهدف إلى صقل مهاراتها في المجال الوظيفي وتوجيهها وفق إطار مهني مقنن، الأمر الذي يدعم بناء المستقبل المهني للطالبة من جهة، وتحقيق أهداف الجامعة وتمكين الكوادر الوطنية المؤهلة بما يتفق مع رؤية المملكة 2030 من جهة أخرى.

ذلك هو بيت القصيد، لا يمكن تخريج الطلاب فقط ومنحهم شهادات دون تمكينهم بما يتوافق مع قيمة الشهادة والاعتراف بقدراتهم العلمية فيما يعملونه في التخصص الذي تمت دراسته، لذلك فإن التخطيط لمثل هذه المواءمة يتطلب خططا أكبر وأشمل بين أجهزة التخطيط الاقتصادي والتنموي، والخدمة المدنية، والتعليم، ومؤسسات التعليم العالي، وصندوق الموارد البشرية، ومراكز الدراسات والبحوث ذات الصلة؛ حتى تتبلور صياغة أكثر فاعلية لقبول الطلاب بحسب الاحتياجات، وقياس رغباتهم وتوجهاتهم وقدراتهم، إذ من غير المعقول أو المقبول أن يتم توظيف مهندسين كمعلمين؛ لأنه لا توجد لهم وظائف هندسية، وغير ذلك من أعمال التوظيف التي لا تتفق مع المنطق التنموي.

التخطيط الجيد يختصر نصف المنافسة نحو الطموحات والتطلعات، ويضع الأمور في نصابها ومسارها الصحيح، وذلك يتطلب مزيدا من التنسيق والتكامل بين الأجهزة والمؤسسات ذات الصلة بالتخطيط الإستراتيجي، فعملية استيعاب الخريجين ينبغي أن تتم بسلاسة، وأن يتم توجيهها بمعادلات تنموية وإحصائية دقيقة، خاصة أننا في خضم عملية تنموية واسعة ينبغي مجاراتها بخطط صحيحة، ولا يمكن أن تترك الكوادر الوطنية في قوائم انتظار حافز أو الخدمة المدنية لسنوات بانتظار وظائف قد تأتي أو لا تأتي إلا بشق الأنفس أو بعد سنوات.

يحدث ذلك لأنه يتم تخريج الآلاف سنويا من الجامعات والابتعاث دون استيعاب يضعهم في الاعتبار بصورة مسبقة، وذلك ما يجب أن يتم النظر فيه بحسب ما تدعو وتحث عليه رؤية المملكة التي طرحت كثيرا من التفاصيل التي يجب تكييفها مع نظرتنا للمستقبل، فنحن بحاجة لكل مواطن قادر على العطاء ويمتلك الرغبة والشهادة للعمل الجاد، فإن لم يجد وظيفة يمكنه أن يجد مسارات استثمارية متاحة ليبدع فيها وينتج ويكتسب الخبرات الضرورية في العمل، فذلك هو الذي يضع الجميع في مسار عملي أكثر فعالية وديناميكية حاضرا ومستقبلا.