صالح بن حنيتم

انتشر مقطع لشخص أصيب بالسرطان ينصح كل مدخن بالإقلاع عن التدخين (عافاه الله وعافاكم)، ذكرني المقطع بحديث مع أعز الأصدقاء، حول تفاصيل خارطة البيت (بيت العمر) كما يسميه، أتذكر كيف كان حرصه على أدق التفاصيل قائلا إن هذا المنزل سيكون مقر استقراره بعد تقاعده حيث سيستقبل الأولاد والأحفاد، ولا بد من تطبيق الجودة من القواعد حتى استلام المفاتيح.. جميل هذا الاهتمام بجمال روح ذلك الصديق، ولكن لو كان الاهتمام بعمره قبل الاهتمام ببيت العمر لكان الأجمل، عزيزي القارئ لا بد من هذه المقدمة، و(زبدة) المقال فيما يلي!

بعد أن أنهى صديق العمر حديثه حول بيت العمر، قلت له في هدوء: أنت الآن مهتم ببيت العمر ونسيت الاهتمام بعمرك!، استغرب مني هذا الربط بين بيت العمر وعمره حفظه الله. وواصلت حديثي الممزوج بالتساؤلات، قلت له: إذا كانت سباكة المنزل، وتمديدات الكهرباء وجمال الأبواب وتصميم وروعة النوافذ وجماليات الجبس جيدة فذلك أمر حسن وإن حدث خلل في التنفيذ، فبإمكانك بكل بساطة أن تعيده أفضل مما كان، ولكن وأنت ممن يسرف في التدخين وسبق وأن حذرك الطبيب من خطورة استمرارك مع سجائر الموت، كيف سيكون وضعك، لو تعطلت سباكة الجسد و(فحمات) المضخات الكهربائية في جسدك!، واختتمت حديثي قائلا له: ولم لا يكون الاهتمام بالبيت والجسد معا؟

صدمت عندما علمت أن زميلي مصاب بسرطان الرئة، شفاه الله، كنت دائما أنصحه بالإقلاع عن التدخين ولم تفلح النصائح والمطويات والمقاطع في إقناعه بالإقلاع، تذكرت كلمة قالها أحد المقلعين ممن كان يدخن بشراهة لأكثر من عشرين عاما، يقول عن نفسه: موضوع الإقلاع عن التدخين بسيط وصعب في نفس الوقت، وعلل ذلك بأن كيفية نظرة المدخن للسيجارة تحدد صعوبة الموضوع أو استسهاله!، يقول: لم أستطع الإقلاع عن التدخين عندما كنت أنظر إلى السيجارة على أنها متعة خاصة بعد الوجبات الدسمة، وبعد أن غيرت من النظرة (paradigm shift) على أن السيجارة قاتلة استطعت أن أقلع، وهنا رسالة لكل مدخن، ستجد أنه من الصعب الإقلاع، لأنك ترى في التدخين متعة، فهل حان الوقت أن تغير من (البردايم)؟

للأسف كل مدخن يرى أنه بعيد كل البعد عن هذه الأمراض، على الرغم من كثرة أخبار ضحايا التدخين، ومن الصعب إقناعهم، أذكر لكم مثالا فيه نوع من الطرافة، كان لي مبلغ عند أحد أقاربي من المدخنين، ومن خوفي عليه، قلت له والله سوف أتنازل عن المبلغ، إن أقلعت عن التدخين، وكان المبلغ (جامد)، ذهب ووعدني أن يفكر في الموضوع، لا أخفيكم أول مرة أجد نفسي مترددا، ساعة أقول الله يهديه ويقلع وعندما أتذكر فلوسي أقول بكيفه والأعمار بيد الله!