د.طرفة عبدالرحمن

الحياة ليست نهجا واحدا، ولا شكلا واحدا، ولا مبدأ واحدا.. وهي ترفض من يتعامل معها على هذا الأساس. الأشخاص الذين يعيشون على هامش الحياة، يمثلون أحد أقطاب الفكر الذي يعتقد بهذا المنطق.. وهؤلاء مسجونون في حقبة زمنية معينة أو برمجة ذهنية صلبة، وهؤلاء لا يقبلون التغيير، ويقاومونه، بل وأحيانا يحاربونه بطريقتهم المتعبة والفاشلة. والقضية ليست في مقاومتهم التغيير المصاحب لمحيطهم الاجتماعي، بل في محاولة فرض توجهاتهم، والشعور بالقلق والخوف من الأمور المتحركة حولهم.. وبالمناسبة فإن القلق بشكل عام من التغيير هو طريقة تفكير يصاب بها كثير من الأفراد في مراحل حياتهم لاعتبارات كثيرة، منها الخوف من المجهول أو خشية التغير للأسوأ، وضعف الثقة بالمستقبل.. كما أن الأفراد عندما يعتادون ويألفون أي واقع اجتماعي مهما كان حاله، يشعرون أنه الأفضل من غيره، خاصة في الجوانب الاجتماعية..

لذلك، من يقود التغيير الاجتماعي والثقافي في كل المجتمعات هم قلة لديهم وعي وطريقة تفكير تسبق واقعهم وتختلف عنه، مترافقة مع قدر كبير من الشجاعة للمواجهة الشرسة، حيث غالبا ما يكون الصف الأول وقادة التغيير في مرمى السهام والاتهام، أما الصفوف التي تليهم فهي خاصة بفئة المترقبين المقلدين الذين لا يجرؤون على اتخاذ خطوة للأمام إلا بعد أن يدوسها قبلهم العشرات.

ورغم أن سنة التغيير وفلسفته بكل جوانبها متشابهة في تاريخ المجتمعات، إلا أن الدول النامية والمنغلقة هي الأكثر صعوبة في تجربة النمو والتقدم الاجتماعي، ذلك أن مقاومة التغيير تحدث فيها تحت الغطاء الديني، أو تحت شعار حماية العادات والتقاليد، وكأن التغير أو التقدم الاجتماعي والثقافي لا يعني في مفهومه، إلا التحرر من الدين أو القيم الاجتماعية.. التغير الاجتماعي للعقول التي تحاول أن تدرك معناه، هو في الأساس سنة الكون ويحدث لا محالة بطريقة شبه مطردة في كل المجتمعات، الفارق بينها أنه يسير في بعضها بطريقة أقل تعقيدا والبعض الآخر بطريقة متذبذبة أو مشوهة، مرصوفة ببعض أو كثير من الضحايا.. والعجيب أن كثيرا من الجموع تنساب للتغير بطريقة قانعة في نهاية المطاف، لكن بعد أن تكون أهدرت سنوات من حياتها وحياة من حولها في شقاء المقاومة!