عمار محمد العزو

«القوّة الناعمة» مصطلح سياسي جديد، دخل قاموس العلوم السياسية وشاع استعماله في العلاقات الدولية، واعتبرته دوائر صناعة القرار في الدول المتقدمة ذراعا فعالة وأداة مؤثرة في إدارة سياساتها الخارجية عند تعاملها مع الدول والشعوب الأخرى لخدمة مصالحها الإستراتيجية بعيدة المدى.

وأول من أشاع هذا المصطلح هو «البروفسور جوزيف ناي»، الأستاذ في جامعة هارفرد، الذي كتب عنه بشكل مفصّل في كتابه (القوّة الناعمة: وسائل النجاح في عالم السياسة)، وتحدّث عن أدوات غير عسكرية تستطيع من خلالها الدول الحصول على ما تريد بِطُرقٍ غير مباشرة، عبر تقديم أساليب جذّابة للتأثير في عقول وقلوب ووجدانيات الشعوب الأخرى على المدى البعيد؛ بغية استفادة هذه الدولة من هذا التأثير لصالحها في مواقف متعددة مثل: السلم والحرب والتصويت لصالح الدول في المحافل الدولية.

ومن أبرز وسائل القوّة الناعمة، الأدوات الثقافية والإعلامية والسياسية والاقتصادية والأنشطة الإنسانية الأخرى، ويتوفّر في المملكة من هذه الأدوات ما لم يتوفر لدى أية دولة أخرى، ولم تُستَغَل مثل هذه الأدوات الاستغلال الأمثل بعد.

وأهم مصادر القوى الناعمة للمملكة، قيادتها للعالم الإسلامي من خلال احتضانها للأماكن المُقدَّسة، مما جعل المملكة قبلة ملايين الأفئدة حول العالم، وما تقدمه المملكة للمشاعر المقدسة من عناية وتطوير، وما تقدمه للحجاج والمعتمرين من خدمة وتيسير أمور هو قوّة فريدة لدى أكثر من 1٫5 مليار مسلم حول العالم.

وأداة أخرى وهي مئات الآلاف من الطلبة السعوديين المبتعثين حول العالم الذين يفترض أن يكونوا سفراء حقيقيين للمملكة، وهؤلاء يمكن أن يؤثروا التأثير الكبير على شعوب تلك الدول التي يدرسون فيها، ومثل هذا التأثير إن كان ايجابياً سيكسب الرأي العام هناك لصالح المملكة.

ولا يمكننا ونحن نتحدث عن «القوة الناعمة» للسعودية أن نغفل النواحي الاقتصادية، إذ استطاعت المملكة، عبر تواجدها الفاعل والمؤثر في سوق النفط العالمي، خدمة قضايا الأمة العربية، والقضايا الإنسانية بشكل عام، من خلال المحافظة على استقرار الأسواق وعدم انجرافها نحو المجهول بالتعامل الحكيم والموزون..

أمّا وجود ملايين العاملين من دول العالم المختلفة فهي واحدة من أقوى أسلحة «القوّة الناعمة»؛ إذ يتأثر هؤلاء المقيمون بثقافة المملكة وتوجهاتها الفكرية والسياسية، فضلا عن أنهم يصبحون سفراء لها في بلادهم عند عودتهم.

وقد التفتت المملكة مؤخرا إلى نمط جديد من القوة الناعمة، ألا وهو ثقافة الترفيه، إذ جاءت رؤية «السعودية - 2030» لتدعم هذا الجانب بإقامة التجمعات الرياضية والحفلات والمهرجانات دون الاخلال بعادات وتقاليد البلد، لتظهر قدرة المملكة على مواكبة التطورات حول العالم.

يبقى أن تعمل المملكة على زيادة استخدامها لما تملكه من أدوات لترسيخ قوّتها الناعمة، فالمناخ مهيأ لكسب خطوات أوسع في هذا المجال، خاصة في ظل ما يشهده العالم من انحسار نفوذ القوى التقليدية.