عبدالرحمن المرشد

يعتقد البعض عندما يتحدث عن المتقاعد أنه شخص عاجز لا حول له ولا قوة وأن عمره الافتراضي انتهى ويجب عليه الركون في البيت دون تأدية أي عمل حتى ينتقل إلى رحمة الله، ولكن عندما ننظر من الزاوية الأخرى بلغة الأرقام نجد أن عدد المتقاعدين في السعودية تجاوز خلال العام الماضي الـ 800 ألف متقاعد تشكل النسبة العمرية من 45 ــ 55 عاما النصف، بمعنى ـ حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية الحديثة ــ أنهم في فئة الشباب، ولذلك يعتبرون قوة مهمة تمتلك الخبرة ولم تتم الاستفادة منهم في تدعيم قوى العمل وبالذات في القطاع الخاص.

نحن نرى ونشاهد أن أغلب الشركات والمؤسسات والمعارض بكافة أشكالها سواء سيارات أو قطع غيار أو أجهزة وغيرها يوجد بها الكثير من الوافدين الذين تم استقدامهم ولا يمتلكون ربع خبرة هؤلاء وبرغم ذلك يتم تجاهلهم، كما أن أغلب الجهات الخاصة تلجأ لاستقدام خبرات من دول مختلفة بعضها للأسف لا يعرف من هذا الموضوع إلا الاسم فقط، وتتجاهل خبرات وتجارب المتقاعدين لدينا الذين يتفوقون عليهم بأضعاف خلاف إلمامهم بالمجتمع والثقافة المحلية التي تساعدهم على اقتراح أفضل الحلول.

ذكر لي أحد المتقاعدين أنه يتمنى تعلم حرفة مثل الكهرباء أو السباكة أو النجارة أو صيانة الجوالات وغيرها ويفتتح مشروعه الخاص، وهذه فكرة جيدة لو تم التركيز على هذه الفئة مبدئيا في موضوع توطين الحرف، فهم يمتلكون الخبرة والتجربة ولديهم قوة التحمل والصبر وأضمن في الاستمرارية من الشباب صغار السن الذين مازالوا في مقتبل العمر وليست لديهم التزامات مالية بعكس المتقاعدين الذين يبحثون عن زيادة لمصادر الدخل، كما أن الحاجز النفسي الموجود بسبب هذه الحرف عندما نشاهد فئة المتقاعدين يعملون بها سيتم كسره وتعتبر خطوة أولى ليتم ضم الشباب لهذه الأعمال التي ستوفر آلاف الفرص الوظيفية.

قديما كانت الحرف بأيدي أبناء وبنات الوطن، ولو مررنا على الجنادرية لشاهدنا أن جميع تلك المهن القديمة يعمل بها كبار السن الذين مازالوا محتفظين بها قبل أن تستولي على صناعتها العمالة بشكل كامل ثم تندثر كما اندثر غيرها، البناء بالطين في منطقة نجد كان يقوم به أبناء الوطن الذين احترفوا هذه الصناعة ولم يمنعهم من مزاولتها العيب، وكان يطلق على المسؤول عن هذا العمل (استاد) الذي يزاول بنفسه البناء ويتولى احضار البنائين ومتابعة العمل بنفسه وربما هو من يقوم بالتخطيط للمنزل بمساعدة صاحب العمل، وهذه شواهد أعمالهم في جميع المدن والقرى مازالت قائمة من عشرات السنين تحكي طموح وعصامية أبناء الوطن في كل مكان، ولكن مع تغير الزمن والوقت تحولت هذه المهنة بأيدي الوافدين الذين استولوا عليها تماما وأخذوا أسرارها من آبائنا، وكذلك مهنة غرس وقلع النخيل التي برع فيها آباؤنا من مئات السنين ولا ينافسهم فيها أحد لم يعد لأبناء الوطن أي تواجد فيها وأصبحوا كالغرباء عنها ويستعينون بالوافد لإتمام هذه المهمة.

صناعة السدو برع فيها نساء الجوف بشكل كامل وتحدث عن هذه الصناعة وجودتها الكثير من المستشرقين من عشرات السنين، واختفت كما اختفى غيرها ولم نعد نشاهد بقاياها إلا في مهرجان الجنادرية، وكذلك صناعة الخوص في الأحساء أخذ أسرارها العمالة واندثرت من أبناء الوطن.. فهل يعيدها المتقاعدون إلينا مرة أخرى؟.