د.ابراهيم العثيمين

كل مرة تحدث أعمال عنف وقتل وتفجير ويعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عنها، تعطي مزيدا من الوقود لنار الحملة الهستيرية على الإسلام والمسلمين وتحميلهم المسؤولية. وهذا ما حدث في الاعتداء على سوق عيد الميلاد الذي وقع في مدينة ستراسبورغ الفرنسية الثلاثاء الماضي وأسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 11 آخرين. المسلمون في فرنسا، وعددهم يقترب من 5 ملايين، يجدون أنفسهم دائما في مواجهة أفكار داعش من جهة، والهجوم على الإسلام من جهة أخرى، وثالثا معاداة المسلمين بناء على هذا الربط بين الإسلام وداعش.

خلال مؤتمر ميونيخ الدولى للأمن والسياسات الدفاعية الذي عقد في فبراير 2016، رد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال كلمته التي ألقاها على سؤال أحد الحضور يتهم داعش بأنها تمثل الإسلام، وبأنها خرجت من رحمه وبالتالي فهي وليدة الدين الإسلامي. أجاب الجبير بكلمات قليلة فند الربط بين الأحداث الفردية الصادرة عن فئة لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا تعبر أفعالها عن الجوهر الحقيقي لتسامح هذا الدين قائلا: «إن كل دين به ضالون ومرضى نفسيون يريدون خطفه»، وأضاف إن هناك جماعات مسيحية ترفع الصليب ويفعلون كل شيء باسم الدين والمسيح ومن أمثالهم كو كلوكس كلان (kkk ). والكي كي كي هي تجمع لعدد من التنظيمات اليمينية المتطرفة الأمريكية، تؤمن بسمو وتفوق العرق الأبيض المعتنق للمذهب البروتستانتي المسيحي على جميع الأعراق والمذاهب، وتتخذ من المسيحية أساسا لعمليات التعذيب والقتل التي تقوم بها، زاعمة أن ذلك يسهم في إرضاء المسيح، وبناء عليه تقوم بممارسات قتل وتعذيب وصلب ضد السود والناطقين بالإسبانية واليهود والكاثوليك باسم الدين. وإذا كانت «داعش تنظيما إسلاميا، فالكي كي كي (kkk) تنظيم مسيحي».

وهنا تأتي خطورة تعميم الأحكام فيما يتعلق بالمعتقدات والأديان. فالإرهاب لا دين له، فلا يوجد دين إلهي يمكن أن يأمر أو يسوغ أو يبرر الجرائم الوحشية التي تقوم بها الحركات المتطرفة تحت مسمى الدين. فالدين ظاهرة اجتماعية تنبذ العنف ولا تقبل به.

لكن في الجهة المقابلة كيف يمكن تفسير الحضور الواضح لحالات العنف التي تم إسباغ الصفة الدينية عليها كالحملات الصليبية، وحروب أوروبا في العصر الوسيط وصولا إلى ظهور العديد من ممارسات التنظيمات والحركات الجهادية في العصر الحاضر أبرزها تنظيم «داعش». وهنا يأتي كتاب كارين آرمسترونج Karen Armstrong الباحثة البريطانية الشهيرة المختصة في علم الدين المقارن، ومن أكثر الشخصيات إثارة للجدل Fields of blood: Religion and the history of violence «حقول الدم.. الدين وتاريخ العنف»، لتجيب عن هذا التساؤل المهم والجوهري عبر الكشف عن الدوافع التاريخية المركبة والسياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تقف خلف حالات العنف التي تم إسباغ الصفة الدينية عليها. فبعد استقراء طويل للتاريخ بدءا بالمجتمعات الإنسانية القديمة، مرورا بالحروب الدينية في القرون الوسطى، وصولا إلى تحليل مظاهر وأسباب العنف في الأزمنة الحديثة، تصل آرمسترونج لإجابة مفادها أن فكرة العنف الدينى هى محض «أكذوبة». وأن العنف الذي يأخذ صبغة دينية غالبا ما ينبع من أهداف سياسية، أي أنتجتها الأنظمة الحاكمة عبر التاريخ؛ لتبرير أفعال القمع والاستبداد‮. ‬فعصر الإقطاع كما تمثل آرمسترونج كان خير شاهد على استغلال الدين من قبل مالكي الأراضي لتبرير عنفهم واستغلالهم للفلاحين، فزعموا أن الله له حكمته في خلق الفلاح ليكون عبدا لمالك الأرض، ومن ثم يكون أي اعتراض من قبل الفلاحين تمردا على مشيئة الله، ويستوجب عقابا قاسيا‮.‬ فالاستبداد إذن هو أساس التطرف والعنف وليس الدين‮.