علي بطيح العمري

التفاوت والاختلاف بين البشر ليس فقط في اللغة واللون، حتى في العقل والإدراك والوعي الناس يختلفون، بعضهم يعلو بوعيه، وآخر يسقطه فكره وإدراكه.

لِمَ بعضهم يرى الخطر أمامه كالشمس في رابعة النهار ثم يصر على اقتحامه؟.. هل الذي يعرض نفسه وأهله وماله للأخطار.. يشعر، يحس، يدرك فداحة وحجم ما هو مقدم عليه.. أم على قولهم «فلان راكب راسه»؟

وجملة «فلان ركب راسه» أو «راكب راسه» أو «الناس راكبين روسهم»؛ تعبير يدل على الإصرار والعناد، وعدم الاستجابة للنصح أو الإرشاد.. جاء في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني في سبب مقتل كليب بن ربيعة قوله: «أما جسّاس فغلامٌ حديثُ السِّنِّ ركبَ رأسه فهرب حين خاف..».

هناك أمثلة كثيرة على «راكبي رؤوسهم»، وكمثال: المدخن الذي أورده التدخين المهالك، وجلب له العلل هو يعترف بهذه المشكلة، ويقر بوجود هذه الأمراض، لكن لم الإصرار على المضي في هذا الطريق رغم الخطر؟!

مثال آخر نشهده مع مواسم الأمطار، فرغم تحذيرات هيئة الأرصاد، واللافتات التي يرفعها الدفاع المدني، والرسائل التي يبثها الفلكيون وقارئو الطقس، لكن «مهايطي» السيول يركبون رؤوسهم ويصرون على اقتحام السيول، عناد غريب لتعريض أنفسهم وأهلهم وسياراتهم للهلاك والإتلاف.. لماذا هذه المجازفة؟ لم هذا الاندفاع؟.... الجواب متروك لكم.

وقس على ذلك حوادث المرور، والمخاطرة بصحتنا في التهام ما هو غير صحي... إلخ. الأمثلة على قضايانا ومشاكلنا كثيرة.. نحن ندرك حجم المشكلة ونطالع آثارها في أنفسنا وفيمن حولنا ومع ذلك لا نتعظ، لا نصغي لنصيحة ذهبية، لا تهزنا إحصائية مخيفة ولا لوحة تحذيرية ولا آية ربانية، وكأن الأمر لا يعنينا.

كثيرة هي الأسباب التي تؤدي إلى حالة «ركوب الراس»، وعدم الانتفاع من النصائح بحسب المشكلة.. التعزيز وحب الظهور له دور، البيئة التي يعيشها المرء سبب، الأصدقاء وخاصة «هواة التطبيل» لها أثر.. وأحياناً قد تكون نوعاً من الحماقة التي تعيي مداويها، وشكلا من أشكال السذاجة التي يستحق مرتكبها ما حصل له!!

ظاهرة «ركوب الراس» ليست فقط في الأخلاق والعادات بل شاملة نواحي كثيرة حتى في الضلالة والبعد عن الهدى.. ففي القرآن قص الله -عز وجل- علينا أمماً وأفراداً «ركبوا رؤوسهم»، فلم تثمر فيهم دعوات الحق، فوصفهم الحق بقوله: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ ٰكَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ...».. مفهوم الآية.. إن كانت أذنك سليمة تسمع بها ولم تعِ الحق فأنت أصم.. إن لم تر الصواب وتتبعه فأنت أعمى ولو كان بصر عينيك أقوى من زرقاء اليمامة!!

* قفلة..

في أي خطوة تخطوها في حياتك، حاول أن تجعل العقل والقلب معاً؛ ففي العقل إرادة وفي القلب ضمير!.