د.شلاش الضبعان

«قال أحدهم لرجل: ما نجمك؟، قال: التيس! فضحك الحاضرون، وقالوا: ليس في النجوم والكواكب تيس! قال: بلى، قد قيل لي وأنا صبي منذ عشرين سنة نجمك الجدي، فلا شك في أنه قد صار تيساً منذ ذلك الوقت».

من هذه الطرفة التي ذكرها ابن الجوزي في كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين»، أعتقد أن كثيراً ممن كانوا يتابعون الأبراج قبل سنوات وما زالوا قد وصلوا إلى مرحلة التيس عن جدارة واستحقاق!

والحقيقة أنه أمر يثير الاستغراب كيف لعاقل تربى على عقيدة سليمة وقيم شامخة أن يسلم رقبته لمثل هؤلاء الأدعياء، وهذه الخزعبلات، فما يعلم الغيب إلا الله؟!

هذا من الأسس التي تربينا عليها وتعلمناها في بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا منذ الصغر ولله الحمد.

ومع ذلك تجد من يرى نفسه مثقفاً يبحث عن قارئة الفنجان التي:

«جلست والخوف بعينيها

تتأمل فنجاني المقلوب

قالت:

يا ولدي.. لا تحزن

فالحب عليك هو المكتوب».

وتجد من يريد أن يعرف نتائج المباريات من خلال قطة أو تيس أو كلب، ووراء ذلك ما هو أدهى مع شديد الأسف.

وتجد من يتداول مقاطع لمشعوذين يرى أنهم قد توقعوا أشياء فصارت.

وتجد من يشكك في قريبته أو قريبة بناء على اتهام وصله من مشعوذ أن هناك من يحفر له ولأولاده.

وتجد فتيات صغيرات يتكلمن عن مستقبلهن الدراسي والأسري معتمدات على ما يقوله هؤلاء المدعون والمدعيات، بينما هم لا يعطون أكثر من كلام عام لا يقدم ولا يؤخر، وينطبق على كل إنسان، فمواليد برج الجدي مهنياً واجتماعياً، سيكونون كالجدي أكثر تأملاً وميلاً للعزلة، وعليهم ألا يستسلموا لمن يريدون تشويش أفكارهم فيلزموا الكتمان، ومالياً عليهم أن يكونوا أكثر حذراً ولا يدخلون في مغامرات مالية.

أنا الآن -وأنا لا أعرف برجي- أرى أنني بحاجة إلى عزلة، وأعرف أن هناك حولي من يريد أن يشوش فكري، وأدرك أن الدخول في مغامرات مالية في هذا الوقت سيرسل المغامر إلى السجن ويخضع للمراقبة من خلال الأبراج العالية.

ما الجديد في ذلك؟! وكيف لإنسان أن يضع خطط بناء مستقبله ويبني علاقاته على هذه الأمور الساذجة؟

حقاً إذا غاب الوعي، عاش الإنسان في تيه، وصدّق ما لا يمكن تصديقه!.