د.عبد الوهاب القحطاني

بلادنا بخير واقتصادنا قوي، وما نأمله هو المزيد من الحوكمة لموارد الخير. ما حدث في السوق المالية من انهيارات على مدى تسعة أعوام من 2006 إلى 2014م، ناتج عن العامل النفسي السلبي الذي أضعف الثقة لدى معظم المتداولين الذين دفعهم الخوف لتصريف أسهمهم بسعر السوق (سعر الطلب). ثقافة التداول ضعيفة إن لم تكن معدومة بين المتداولين وهي لا تتعدى كونها شراء عند تراجع الأسهم القيادية المؤثرة في المؤشر وبيعا عند تحقيق السهم نسبة ربح مرضية للمتداول، أي لا يوجد نسبة كبيرة من المستثمرين الإستراتيجيين في المنظور البعيد، حيث تنتشر مقولة «كل فطير وطير».

وعندما نبحث في أسباب ضعف الثقة بالسوق المالية نجد أن أهمها سياسات هيئة سوق المال في السنوات الأولى من تأسيسها فقد كانت غير مدروسة على الصعيد النفسي والسلوكي. نمو سوق الأسهم يعتمد على الثقة بدرجة كبيرة لأنها تساعد على تدفق السيولة للشراء والاحتفاظ بالأسهم إذا كانت ذات عائدات استثمارية مغرية، لكن عندما فقد المتداولون الثقة في سياسات الهيئة تخلصوا من الأسهم ليشتريها متداولون آخرون بسعر منخفض لتهوي قيمتها إلى مستويات متدنية، حيث انخفض بعضها تحت سعر الاكتتاب.. يجب أن نستوعب تأثير العامل النفسي في التداول عند التعامل مع العنصر البشري، حيث يتفاعل إيجاباً أو سلباً مع ما تصدره هيئة سوق المال من لوائح منظمة في أوقات غير مناسبة ما يضعف الثقة في سوق الأسهم. إن تجاهل هيئة سوق المال للسلوك النفسي للمتداولين، خاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة والحرجة وعدم العمل على تماسك سوق الأسهم من خلال صناديق استثمارية ضخمة مثل صندوق الاستثمارات العامة وصندوق معاشات التقاعد وصندوق التأمينات الاجتماعية وصناديق البنوك يضعف ثقة المتداولين في السوق المالية. وقد رأينا الظروف الاقتصادية الصعبة في الولايات المتحدة وما نتج عنها من عمليات إنقاذ الحكومة الأمريكية للشركات المالية والصناعية من الإفلاس بسبب الأزمة المالية مثل إنقاذها لشركة التأمين الدولية AIG، وكذلك إنقاذ مجموعة مصرف سيتي وشركة جنرال موتورز للسيارات.

الذين يتحدثون عن رغبتهم بعدم تدخل الحكومة في الشأن الاقتصادي مخطئون وغير مدركين لدورها الضروري في ترسيخ ثقافة التداول والأمن المالي وحماية المستثمرين من التدليس والتلاعب بأموالهم. دور الحكومة محفز وداعم يساعد على استقرار الاقتصاد وتقديم المعلومات الاقتصادية بشفافية عالية لتساعد المستثمرين في السوق المالية على اتخاذ القرار الصحيح الذي ينمي استثماراتهم في سوق الأسهم.

الثقة بالسوق لا تعطى بالتصريحات واللوائح والأنظمة المتتابعة في وقت غير مناسب وبجرعات وكميات كبيرة تضعفها وإنما بتوعية المستثمر بأهميتها وأهدافها. ماذا فعل مصرف الإنماء لدعم سوق الأسهم منذ إنشائه؟ كان أحد الأهداف من إنشائه دعم السوق وتجنيبه الانهيارات (أي مصرف توازن)، وهذا ما ورد في تصريحات المسؤولين عند تأسيسه، لكنه لم يؤد هذا الدور بل أصبح مثل العديد من البنوك التقليدية. وفي الختام أرى أهمية تأسيس الحكومة شركة تأمين إنقاذ على غرار شركة التأمين للإيداع الفيدرالي الأمريكي FDIC، بحيث تصبح داعمة للشركات الوطنية من الانهيار حتى لا يتأثر الاقتصاد الوطني سلباً من تبعات انهيارها. والفكرة تقوم على تمويل هذه الشركة من خلال تأمين وطني تعاوني شامل لجميع المؤسسات والشركات، بحيث يكون طوعياً للمشاركين في البرنامج. وسيكون لهذه الشركة دور في دعم الثقة في سوق الأسهم.