عبدالله الغنام

العلاقة الزوجية تتأرجح في أيامها بين الحلو والمر، والفرح والحزن، وبين الفتور والحماس، وتلك من سنن الحياة ماضية فيما بينهما. والذي يجمع الزوجين مع مر السنين أشياء كثيرة من بينها الحب، والاحترام والتقدير، وحسن العشرة، وأبناؤهما، فالمعادلة والعلاقة بينهما متعددة العناصر والأطراف. وفوق ذلك كله الذكريات، التي تتراكم مع الأيام لتصبح جزءا مهما من تلك العلاقة.

ولعل الحياة العصرية جعلت الحياة الزوجية تواجه الكثير من التحديات بسبب التطور الهائل في التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي دخلت وعششت حتى في غرف النوم!. وربما قضى أحد الزوجين أكثر وقته متنقلا بين تلك الوسائل وهنا يكمن بيت القصيد، حيث تتقلص أوقات الكلام والحديث فيما بينهما، وربما استبدلاها بالرسائل لينشأ التباعد وتظهر بعض المشكلات أو تتفاقم.

إن وسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من بعض الأفكار على شكل (رسائل مكتوبة، صور، فيديوهات) قد تكون مثالية وبعيدة عن أرض الواقع، ومع كثرة النقل والترديد لتلك الأفكار يعتقد المتلقي -الزوج أو الزوجة- أن واقع الآخرين خير من حياته وواقعه! وقد تكون الحقيقة خلاف ذلك تماما. وسقراط يؤكد الواقعية في الزواج وليس المثالية، حيث قال: تزوجوا فإما أن تصبحوا سعداء أو فلاسفة!

ولعله من غير الطبيعي أن الزوج أو الزوجة يستخدم مجموعة من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مثل: تويتر وإنستجرام وسناب وغيرها وينشغل بها كلها في آن واحد!، لأنه حتما سيؤثر على العلاقة والمسؤولية الزوجية فضلا عن باقي الأدوار والمهمات في الحياة. وكل شيء إذا زاد على حده ينقلب ضده، وقد جاء في الأثر: «المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى». ولكن العمل بالوسطية هو الحل الأنسب، حيث الاكتفاء بتطبيق واحد منها حتى لا يكون الإنسان منعزلا عن المحيط والعالم من حوله.

والحقيقة بوجه عام أن الانشغال بالأشياء إلى حد الإدمان يؤثر على العلاقات الاجتماعية، خاصة الأسرية والزوجية. ويذكر أن زوجة الإمام الزهري -رحمه الله- قالت له وهو منغمس بين الكتب: والله لهذه الكتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر!! فما بالك إذا كان الانشغال بالجوال ومواقع التواصل الاجتماعي من أجل القيل والقال، وإضاعة الأوقات والأعمار؟!

ومن المؤثرات كثرة نقل التعليقات والأخطاء إما عن الزوج أو الزوجة عبر هذه الوسائل وتضخيمها، ومع التكرار وترديد الرسائل يزداد ربما تأثيرها على العقل الباطن للمتلقي.

أضف إلى ذلك لا تتوقع المثالية الزائدة ولا الرومانسية الدائمة، التي تصورها بعض وسائل التواصل الاجتماعي. فالحياة الزوجية هي كفصول السنة أيام يكون فيها الحر شديدا، وأيام هي كنسائم الربيع، وأخرى عواصف كالخريف، وأيام فيها الجمود والبرد الشديد كالشتاء والصقيع.

ولو أردنا اختصار المقال في بعض الاقتراحات، فمنها التغافل من وقت إلى آخر، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: تسعة أعشار (90%) العافية في التغافل!. ونحن نعلم أن تلك النصيحة ليست سهلة المنال، ولكنها فعالة!. والاقتراح الثاني هو الأخذ بمبدأ سددوا وقاربوا، أي لا تكن لينا فتعصر، ولا صلبا فتكسر. وهناك أمر آخر مهم، وهو أن كسب الثقة في الزواج هو الذي يديم عمر الذكريات بينهما.

ولا شك إن إسداء النصائح على الورق والتنظير سهل!!، ولكن التطبيق يحتاج إلى جهد وممارسة وصبر.

وخير الكلام ما قل ودل (لعله يرسخ في أذهاننا طويلا) وذلك في قوله سبحانه وتعالى: «ولا تنسوا الفضل بينكم».