د.ابراهيم العثيمين

بعد نحو العشرة اشهر من اندلاع الازمة الدبلوماسية بين السعودية والمانيا على خلفية انتقاد وزير الخارجية الألماني السابق زوغمار غابرييل سياسة الرياض تجاه لبنان التي كانت عشوائية ولم تُبن على معلومات دقيقة، يفتح البلدان صفحة جديدة في العلاقات وذلك بعد الاعتذار الالماني للسعودية الذي بدوره انهى الازمة بين البلدين. فالموقف الايجابي الذي اظهرته الحكومة الألمانية الحالية، هو ما كانت المملكة تنتظره من برلين وهو نفس الموقف الذي تنتظره من اوتاوا. فسيادة السعودية خط أحمر ولا تقبل التدخل بشؤونها أو فرض أي إملاءات عليها من أي دولة كانت. بشكل عام العلاقات السعودية- الألمانية ترتكز على شراكة اقتصادية متينة وتعاون امني وتنسيق سياسي وثيق. فالسعودية تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري ألماني في العالم العربي بعد الامارات، فقد بلغ حجم الصادرات إليها في العام 2014 ما يقارب 8.8 مليار دولار. وتحتل السعودية المرتبة الثامنة عالميا من حيث الأهمية التجارية بالنسبة لألمانيا. بينما تعد ألمانيا ثالث أكبر مصدر تجاري إلى السعودية حيث ارتفعت واردات المنتجات والخدمات الألمانية في عامي 2015 و2016 على الرغم من انخفاض أسعار النفط. وفي ظل تطلع السعودية لتنفيذ رؤية 2030 وما تمنحه من فرص استثمارية ضخمة أمام الشركات الألمانية، فان لدى المانيا مصلحة حقيقية لتعزيز الشراكة مع المملكة من خلال ايجاد العديد من الشراكات والاتفاقيات ليكون لها دور واضح ومؤثر في تحقيق الرؤية. وفي مارس 2017 كانت هناك زيارة للمستشارة انجيلا ميركل الى السعودية وخلال الزيارة كان هناك وفد اقتصادي ومديرون تنفيذيون لأكبر الشركات الالمانية يرافق المستشارة والمهتمين بالتغيرات الاقتصادية التي تحدث بالمملكة ضمن رؤية 2030. مما يوضح حجم المنفعة المتبادلة بين الطرفين.

كما ان التحديات الامنية الكبيرة التي تعيشها ألمانيا واوروبا في المرحلة الحالية، وعلى رأسها الارهاب، جعلت هناك تعاونا وثيقا آخذا بالتزايد بين أجهزة استخبارات السعودية والالمانية في الحرب على الإرهاب، خاصة ان السعودية لديها تجربة طويلة في مجال مكافحة الارهاب، حيث كافحت هذه الآفة بأسلوب شامل، ليس فقط بالقضاء على الإرهابيين ومنظماتهم عسكريا، وإنما معالجة أفكارهم ومعتقداتهم، وكما أكد ذلك قادة دول العالم. بالتالي لا بد من تعزيز التعاون الامني والاستخباراتي بين الطرفين خاصة ان المانيا وبحسب رئيس شرطة الجنايات الألمانية هولغر مونش، «إن 750 من «الإسلاميين» (يقصد بهم المتطرفين) -من اصل نحو 43 ألف إسلامي يعيشون حاليا في ألمانيا- سافروا من ألمانيا إلى سوريا، علما بأن ربع مجموعهم عاد إلى ألمانيا وبينهم 70 شخصا لهم تجارب قتالية خطيرة في حرب العصابات والتفخيخ».

أما سياسيا، فبناء على مؤشرات الإرهاب العالمي لعام (2012-2016) الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة وأستراليا، فان ست دول في منطقة الشرق الاوسط اصبحت تأخذ نصيب الاسد من عدد الهجمات الإرهابية وهي العراق، سوريا، اليمن، الصومال، ليبيا. وبالتالي فالامن والاستقرار في هذه الدول ومنطقة الخليج بشكل عام له انعكاسات كبيرة على قضايا مهمة بالنسبة لألمانيا مثل امدادات النفط وانتشار الارهاب وتدفق اللاجئين. وعليه كل من المانيا والسعودية وهما عضوان في مجموعة العشرين، وشريكان في الحفاظ على الأمن والسلام الاقليمي والعالمي لديهما مصلحة حقيقية للعمل سويا والتنسيق السياسي لحل هذه الازمات.

واخيرا السعودية بثقلها السياسي والديني والاقتصادي في العالم، والمانيا بثقلها السياسي والاقتصادي دولتان مهمتان في المجتمع الدولي. فالسعودية تعتبر العلاقات مع المانيا علاقات استراتيجية ويمكن العمل على تطويرها والارتقاء بها الى مستويات استراتيجية مع المحافظة على الاحترام المتبادل وإزالة الشوائب التي اعترتها في الفترة الماضية. فأساس العلاقة قائم منذ بداية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على الاحترام المتبادل وتعزيز المصالح المشتركة. وبالتالي لا يليق بأي طرف أيا كان ان يعكر صفو هذه العلاقة بسبب الجهل بعمق هذه العلاقة او لمنافع انتخابية.