كلمة اليوم

الجميع يدرك أن العنوان الذي اتخذته حكومة لبنان منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل بضع سنوات بدعوى النأي بالنفس، وتكرر استخدامه حتى اليوم، يظل أشهر نُكَت العصر السياسية، بعد أن تمّ تفريغ مفرداته من محتواها، وبالتالي لا يمكن لعاقل أن يصدّق مثل هذه الدعوى في بلد لا تزال ميليشيات الملالي تختطف قراره، وتُعيق تشكيل حكومته منذ ما يقارب أربعة أشهر؛ بغية فرض شروطها وبرنامجها، والاحتفاظ بالثلث المعطل الذي يضمن لحزب إيران في ضاحية بيروت الجنوبية الانقضاض على أي قرار لا يتفق مع أجندته، أو الإطاحة بالحكومة بكل أطيافها فيما لو لم يتسق مسارها مع توجيهات الولي الفقيه في طهران.

لهذا نحن نعي تمامًا أن لبنان لن يكون بوسعه أن ينأى بنفسه، حتى لو ردّد بعض إعلامه هذا العنوان الهلامي الذي لا قيمة له، طالما أن قراره يُطبخ في مربع نصر الله الأمني وفق إملاءات إيران، ولن نبخسه حقه لو رشّحنا له عنوان خصومه في الضفة الأخرى مع بعض التعديل ليكون (إيران أولًا) عوضًا عن لبنان أولًا، حيث لم تعُد ثمة للبنان أية أولوية في أرضه وعلى ترابه الذي أصبح مرتعًا لسيادة الآخرين الذين مزّقوه شِيَعًا وطوائف، لينأى لبنان المغلوب على سيادته منذ قيام هذا الحزب الشيطاني، بنفسه فعلًا، ولكن عن أمته، وعن عروبته، وعن محيطه، وعن أشقائه الذين طالما تعهّدوه بالرعاية، وعالجوا عثراته، وأخرجوه من حروبه، وأعادوا بناءه، ليرتمي في أحضان الملالي الذين حوّلوه إلى ساحة لمغامراتهم ومخزنًا لأسلحتهم، وغرفة عمليات متقدمة لمؤامراتهم على الأمة وشعوبها.

نعم.. لقد نأى نصر الله بلبنان فعلًا وقولًا وعملًا إلى إيران، وإلى مصالح إيران، وها هو يستقبل المتحدث الرسمي باسم ميليشيات الحوثيين محمد عبدالسلام، وبمنتهى الصفاقة، وعلى أعين الملأ، لا ليسيء إلينا وإلى بلادنا ودول التحالف التي تواجه المتمردين، فهذا ليس بجديد، وهو الذي تتوافر عناصره العسكرية واللوجستية جنبًا إلى جنب مع المتمردين، إنما ليسيء فعلًا لمن يضع يده بأيديهم بزعم قيادة لبنان، وتوحيد قراره، عندما يهزأ بالعنوان الذي طالما حاولوا رفعه كشعار، ولو من باب رفع العتب على الأقل، لكن وبما أنه لا يرى سوى مصالح أولياء نعمته فإنه لم يعُد يرى سوى ظل شخصه.

وهنا يترتب على الإخوة في لبنان أن يُعيدوا قراءة مشهد النأي بالنفس بعدما جرّهم نصر الله وحزبه إلى النأي بهم للحوثيين، وإلى كل ما يصبّ في مصلحة طهران، لعلهم يصلون إلى عنوان لا يُجرّدهم من أقلّ حقوقهم في كرامة الكلمة التي مسخها حزب الضاحية، وحوّلها إلى نكتة ساذجة.