محمد العصيمي

بالرغم من أن هناك تطورات إيجابية في ممارسات الأفراد السلوكية ومراعاتهم للذوق العام إلا أنني أعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى حملات مكثفة على هذا الصعيد. نحن ننفذ حملات توعوية في مجالات متعددة لكنني لا أذكر أننا نفذنا حملة واحدة تحت عنوان (الذوق العام)، مع أننا لو فعلنا ذلك لربما استغنينا عن الحملات الفرعية في تلك المجالات؛ كون الذوق العام يشمل كل مناحي الحياة، من علاقتك بمحيطك الضيق إلى ممارساتك في المجتمع الواسع.

ما زال بيننا من لم يستوعبوا بعد أن عليهم مسؤولية تجاه الحقوق والأماكن العامة التي نملكها جميعًا. هناك من لا يزال يصر على أنه يجب أن يكون الأول في طابور سبقه إليه عشرات. وهناك من يحدف عليك سيارته في طريق مفتوح قاصدًا الإساءة والتعدي. وهناك من الرجال والنساء والأولاد من يفتح نافذة سيارته ويقذف قمامته في عرض الطريق وفي وجوه الناس. وهناك من يتحدث بصوت عال في هاتفه ضاربًا عرض الحائط بكل الموجودين في المطعم أو المقهى. وهناك من يترك أطفاله يصرخون ويتراكضون بين طاولات الآخرين دون أن ينهرهم أو يوقفهم. وهناك من يقف عمدًا في المواقف المخصصة للمعاقين غير آبه بالتعليمات والحاجات.. وهناك ما لا يتسع هذا المجال لذكره من السلوكيات والتصرفات التي لا تدل أبدًا على أي ذوق.

أكثر من ذلك هناك من حتى لا يقبل النصيحة أو الملاحظة التي تبديها على سلوكه وذوقه، وقد يرد عليك بأبشع الألفاظ أو يجرك إلى إشكال ووقاحات لم تكن تتوقعها. أي أن لدينا بوصف آخر أزمة أخلاق. وكلنا مسؤولون عن هذه الأزمة ووضع حلول لها. التعليم يتحمل مسؤولية في ذلك والأسرة والمجتمع بشكل عام. ولكي نسعف الجيل الحالي، الذي كبر على المدارس، لا حل إلا بتنفيذ حملات توعوية متواصلة لتربية الذوق العام تنشئها وتنفذها مؤسسات مدنية، وتجوز فيها أيضا المبادرات الفردية التطوعية. وإذا أردنا حل المشكلة من جذورها في المستقبل فليس هناك من طريقة سوى أن يكون هناك منهج تربوي أخلاقي وسلوكي في المراحل الدراسية الأولية، التمهيدي والابتدائي. عدا ذلك ستظل المسألة معلقة والذوق العام يتدهور.