مطلق العنزي

في الوطن العربي، تعودنا أنه كلما تكثفت الشعارات حول قضية تتحول القضية «المقدسة» سريعاً إلى سوق ويكثر السماسرة والباعة والمزايدون، حتى يصبح الهدف هو موت القضية وتمييعها وليس تعزيزها. وهذا ما حدث بالضبط للقضية الفلسطينية التي ابتليت بضجيج صخاب وغثاء لا مثيل له في التاريخ، وتحولت إلى «مذبح» للمبادئ وأكبر بورصة سياسية في التاريخ، تماثل الحروب الصليبية التي حولها البابوات إلى سوق وترويج كل أنواع البضائع والجرائم والسماسرة.

في السبعينيات بدأت القضية الفلسطينية تتحول إلى سوق ضخمة تروج لكل بضاعة، تحت عنوان تحرير فلسطين، حتى تأسست عصابات إجرامية منظمة تؤجر خدماتها لمن يدفع باسم فلسطين.

وحدث تحول تاريخي في تمييع القضية وإنهائها على يد الفلسطينيين أنفسهم، حينما تشرذموا إلى أحزاب ومنظمات متنافسة متناقضة ومتآمرة، كانت إما تروج لأنظمة عسكرية وسياسية بائسة أو للترويج اليساري والشيوعي وخدمة الاتحاد السوفيتي باسم فلسطين.

وبعد أن انهار الاتحاد السوفيتي وتشرد الشيوعيون والاشتراكيون الفلسطينيون وغيرهم وكسدت بضاعتهم وأصبحوا ضيوفاً على موائد النخبة الرأسمالية، استلم الإسلاميون الشعار وأصبحوا، أيضاً بدورهم، مروجين للجيوب السياسية وبضائع المتآمرين باسم فلسطين، فجرى تأسيس حزب الله لتمكين إيران من الوطن العربي تحت شعار تحرير فلسطين، وتأسست حماس (بتسهيلات إسرائيلية) لتتولى الترويج ايضاً لنظام الأسد وإيران، ثم قطر باسم فلسطين. ولو لم يكن الاثنان، حزب الله وحماس، يخدمان إسرائيل وخططها بعيدة المدى لما سمحت إسرائيل لأي منهما بالحياة يوماً واحداً، ولما سمحت بأية علاقات حميمة بين حماس والدوحة. فحزب الله قدم خدمة تاريخية لإسرائيل بجلب إيران كعدو آخر للعرب، وحماس تقدم خدمة نوعية أخرى لإسرائيل بتقسيم فلسطين وشق الصف الفلسطيني.

والمريب أن حزب الله وحماس والإخوان والدوحة، منذ سنة، يكثفون الضجيج حول حكاية «صفقة القرن» وجعلوا منها مناحة ويتهمون المملكة والإمارات ومصر بعقد الصفقة وتضييع فلسطين. لكن ربك «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»، وثبت أن الضجيج الإخواني حول صفقة القرن هو للتغطية على الجهد الإخواني المحموم لعقد الصفقة بين إسرائيل وحماس والمتوقع أن يكون هدف الصفقة الحقيقي عزل غزة وجعلها دولة مستقلة تنفصل عن فلسطين إلى الابد وتقديمها هدية، لا ترد ولا تستبدل، لحماس. وهذه واحدة من أهم الأهداف التاريخية لإسرائيل. مما يعني أن صفقة القرن إخوانية حمساوية صممت لخدمة إسرائيل. ولا بد أن الصفقة جرت بمصادقة المراجع الإخوانية العليا في المنطقة وهي أكبر الموالين لإسرائيل وأصدق أحبائها. وتكثيف حزب الله وحماس الضجيج حول قضية فلسطين كان بهدف تحويلها إلى سوق وبضائع وصفقة للبيع بالجملة والتجزئة.

* وتر

ثرى الأقداس..

وكلمة الله

وأنوار البهاء..

تستحيل حطباً للعنات التاريخ..

إذ الدماء ماء..

وحقول الزيتون الخضراء تلبس أحزانها..

وتعد أيامها بالجنائز ومناحات المآتم..

وطعنات الخناجر.

malanzi@alyaum.com