د.إبراهيم المحبوب

يكثر في هذه الايام المطالبة بمحاسبة بعض الاشخاص بسبب أفعالهم التي - في رأي البعض - تعتبر أفعالا مشينة او مسيئة للمجتمع كما يزعمون، لن أذكر أسماء من أقصدهم بطبيعة الحال لأن هذا ليس المهم فيما أطرحه هنا، ما هو مهم هو هذه المشاعر الجياشة من قبل بعض الأشخاص المطالبين بمحاسبة هؤلاء المسيئين، ودعوني أذكر أن في الغالب المطالبة بالمحاسبة هو بسبب الإساءة للمجتمع بأكمله وليس الاساءة لشخص او جهة معينة، كما أن المسيئين هؤلاء في الغالب هم من فئة الشخصيات العامة، إن حسن هذا الوصف، وصفتهم أنهم مشهورون على منصات التواصل الاجتماعي بحيث يقومون بنشر تفاصيل مختارة من حياتهم الشخصية وأفكارهم وآرائهم بين الحين والآخر - إن وجدت - لكي يطلع عليها متابعوهم، وهذا ما يحصل مع الكثير من مشاهير منصات التواصل الاجتماعي، وكما هو معلوم أن هذا الالتزام الشبه يومي لاشباع فضول المتابعين المتعطشين لمعرفة آخر أخبار هؤلاء المشاهير يزداد معه احتمالية الزلل والخطأ، وإذا وقع الزلل والخطأ من أحدهم كان الله في عونه، فهو معرض لفقدان شعبيته بين متابعيه وبالتالي فقدان مصدر رزق مهم إلى آخر القصة المعروفة والتي تكررت كثيرا، وآياتها وجود الهاشتاق الذي يحمل اسم هذا المسيء ومن بعدها تبدأ المطالبات بمحاسبته.

لكن ما شأن الاشخاص الذين لا يقيمون اي اعتبار لهؤلاء المشاهير ومن هم على شاكلتهم، فلا يتابعون أخبارهم ولا يقيمون لهم وزنا وفي كثير من الاحيان لا يعرفونهم جملة وتفصيلا، وبالتالي لا يضمون أصواتهم لاصوات هؤلاء المطالبين بمحاسبة هؤلاء المشاهير لإساءتهم للمجتمع، لانهم ببساطة لا يعتبرون ان هؤلاء المسيئين يمثلونهم بأي شكل من الأشكال، هذا الكلام رغم مثاليته يعتبر واقعا، مثلما أن أعداد متابعي هؤلاء المسيئين الفلكية تعتبر واقعا أيضا.

حينما يحوز أحد التافهين على ملايين المتابعين ويصنع لنفسه اسما بين المشاهير بفضل متابعيه فماذا تتوقع أن يصدر منه غير الدرر؟ (وأنا هنا لا أعني المشاهير في مجتمعنا فأغلبهم لا يصدر منه الا كل خير كما تعلمون)، ولكن لو افترضنا ان احد هؤلاء التافهين بدر منه ما قد يفهم أنه يسيء لنا كمجتمع فهل نسارع إلى المطالبة بمحاسبته؟ إذا فعلنا ذلك فإننا ضمنيا نعتبره شخصا يمثلنا ويمثل مجتمعنا، وان لم نطالب بمحاسبته ربما يستمرئ الاساءة ويتشجع غيره ممن على شاكلته ويستسهل الإساءة، وكلا الافتراضين وارد.

في رأيي، المطالبة بمحاسبة هؤلاء ليس حلا ناجعا مثل التوقف عن متابعتهم على منصات التواصل والعزوف عن متابعة أخبارهم، فبذلك يفقد المسيء المنصة التي من خلالها أساء، ولكن ربما هؤلاء المتابعون هم من استمرؤوا الاساءة الى انفسهم وإصرارهم على متابعة هؤلاء.

لا أعتقد أني أول من كتب هذا الرأي بكل تأكيد، لكن المطالبة بمحاسبة بعض الأشخاص بسبب إساءتهم للمجتمع على منصات التواصل الاجتماعي لفتت انتباهي في الآونة الاخيرة، واغلب الاشخاص المطالب محاسبتهم لا يحملون اي صفة رسمية بل ربما يتعدى الأمر الى انهم حتى لا يقيمون في بلادنا إقامة دائمة وانما يأتون للزيارة او للعمل، وهذه الجلبة التي تحدثها المطالبة بمحاسبتهم لا تزيدهم إلا شهرة وثراء لان محاسبتهم على زلة لسان ربما لن تجلب أكثر من مطالبتهم باعتذار مصور وربما يذرفون خلاله بعض دموع التماسيح، أما لو تمت الدعوة والمطالبة بالتوقف عن المتابعة لهؤلاء فقد يصيبهم التجاوب مع هذا الطلب بسكتة قلبية، لأن عدد المتابعين يضاعف عدد النقود الموجودة في البنك، فإن نقص المتابعين نقصت وان زادوا زادت، والأمر متروك لك لاختيار من يمثلك ومن تطالب بمحاسبته أو التوقف عن متابعته.