لمي الغلاييني

كل الأشياء في ذاتها حيادية، وموقف الإنسان هو ما يجعل منها أضدادا من الهناء والشقاء، وإذا تيقن الإنسان بأن كل ما هو كائن جيد لأنه كائن، ستحل في نفسه المزيد من السكينة والسلام ويتخلص تدريجيا من الأفكار المقيدة التي تضطره أن يكافح مع أو ضد هذا الشيء، ومن يعتقد أن بإمكانه تغيير العالم بنشاطه الفكري المحموم، فلن يلحظ أنه أصبح في الواقع عبدا للظروف التي تغيره.

ينشأ التغيير الحكيم من السكينة والعلاقة الناضجة مع التجربة التي تمكن المرء من التعامل مع الأمر دون رغبة فورية في التدخل الأهوج، والبعض حين يلمح هذا الكلام يبدأ بالتمرد عليه لأنه يعتقد بأنه سيضيع ذكاءه وفطنته بالاستسلام، وأنه سيتحول لعبة في أيدي الآخرين، وسيتوه في الحياة بلا أمل، فالأنا الداخلية لا ترغب في التخلي عن كفاحاتها، وفي مواصلة إظهار سيطرتها أمام الآخرين.

معظم البشر يجرجرون حملا كبيرا من الماضي يحتوي على أحداث وأشخاص السنوات البعيدة التي ما زال في حرب مستنزفة مع خيالاتها، والعجيب أن الساخط والغاضب لا يحارب أحدا في الواقع إلا نفسه، وأن كل ما هو مشوش ومزعج في العالم الخارجي لا يدل إلا على مستوى الضجيج في العالم الداخلي، وأن المرء نفسه لم يتصالح مع ذاته، فمثلا لو تضايق أحدهم من بخل شخص آخر فهذا يكشف بخله وإلا لما انزعج، فلو كان نفسه سخيا فماذا سيعنيه بخل الآخر؟ وكان سيتقبله دون انزعاج.

يمكن للتمرين التالي أن يسهم في التدرب على حيادية التعايش مع تجارب الماضي والتخفيف من أعبائه، بأن يكون المرء هادئا لمدة ساعة وفي وضعية استرخاء ويغمض عينيه ويدع المواقف غير المرغوبة تطفو أمام عينه الداخلية، ويتأمل شريط الأحداث من موقع المراقب منطلقا من قناعة بأن كل ماحدث كان لحكمة بالغة، وأنه لولا هذه الواقعة لما كان موجودا حيث هو اليوم، ويحاول استيعاب إيجابية الحدث ويتحرر من ضغوط مقاومته، فكل ضغط ضد الواقع يولد ضغطا معاكسا نشعر به ويعكر مزاجنا، فالظروف ليست السبب وسر التغيير هو في إعادة ترجمتنا لمغزاها.