د. إبراهيم العثيمين

المثل الانجليزي يقول «عندما يقول احدهم ان الامر لا يتعلق بالمال بل متعلق بالمبدأ فاعلم أنه في نهاية المطاف الامر كله متعلق بالمال». اعتقد ان هذا ما يماثله واقعيا السلوك الاوروبي في الازمة الايرانية، وهو المفتاح لفهم وتفسير المعارضة الأوروبية للقرار الأمريكي للانسحاب من الاتفاق الايراني. فالسعي الاوروبي والاصرار على الابقاء على الاتفاق النووي ومحاولات اقناع الولايات المتحدة المتكررة ليس من اجل امن واستقرار المنطقة والالتزام بمبادئ القانون الدولي وانما ناجم عن حماية مصالحها الاقتصادية في ايران التي تضخمت بشكل كبير بعد الاتفاق النووي. فمنذ سريان الاتفاق النووي عام 2016، تكالبت الشركات الاوروبية الكبرى لقطف ثمار الاتفاق وعقد صفقات تجارية بالمليارات مع إيران، مثل عقود شركة توتال (الفرنسية) (5 مليارات دولار)، وشركة «ساجا انريجي» النرويجية للطاقة (3 مليارات دولار)، وشركة صناعة الطيران الأوروبية «إيرباص» (10 مليارات دولار)، وشركة سيمنز الألمانية (6 مليارات دولار)، وشركة رينو الفرنسية (مليار دولار). وقائمة الصفقات التجارية بين شركات الاتحاد الاوروبي وايران تطول. ففي عام 2017 بلغت قيمة إجمالي الصادرات الأوروبية إلى إيران من البضائع والخدمات 10.8 مليار يورو (12.9 مليار دولار). بالتالي فالمال «المصالح الاقتصادية» في نهاية المطاف هو اداة التفسير للسلوك الاوروبي وسر التمسك بالاتفاق النووي.

حاول الاتحاد الاوروبي الاعلان عن خطوات عملية للتخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية والحفاظ على مصالحه في ايران، والتي تركزت على إمكانية تجنب حكومات الاتحاد الأوروبي للنظام المالي الأمريكي بإجراء تحويلات مباشرة لإيران فيما يتعلق بصادرات النفط، فضلا عن السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بالعمل في إيران ومنح خطوط ائتمان باليورو من دول الاتحاد الأوروبي بقيم أعلى. الا ان هذه التدابير وهذه الخطوات لم تطمئن الشركات الاوروبية التي تعمل على نطاق دولي وتخاف من تبعات القرار الامريكي على اعمالها. وبالتالي أعلنت معظم الشركات الاوروبية مثل توتال وآني وسيمنز وإيرباص وأليانتس وساجا ودنييلي ومايرسك استعدادها لمغادرة إيران نهائياً وذلك بعد 10 أيام فقط من قرار الرئيس ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، أي قبل موعد تنفيذ العقوبات الذي هو في الرابع من نوفمبر، وهي المهلة التي اعطيت للشركات والكيانات لإنهاء أنشطتها التجارية مع أو في إيران.

ويأتي قرار انسحاب الشركات من ايران لخشيتها من أن عودة عقوبات أمريكية على إيران سيعني تعرضها لغرامات وربما حرمانها من السوق الأمريكية ان هي تعاملت مع ايران، والتي تتخطى تجارتها في الولايات المتحدة بعشرات المرات حجم تجارتها مع إيران. فالولايات المتحدة حاضنة لأكبر سوق استهلاكي في العالم، قارب 19 تريليون دولار بالتالي، ثاني أكبر قوة شرائية، والتجارة مع الاتحاد الاوروبي تقدر بـ 700 مليار دولار سنوياً. وبالتالي لن تضحي هذه الشركات بمصالحها في الولايات المتحدة بسبب صفقات صغيرة في ايران والتي لا تمثل سوى 0.6% فقط من إجمالي التجارة العالمية للاتحاد الأوروبي بحسب المفوضية الاوروبية. وحتى التي ليس لها مصالح واعمال في الولايات المتحدة فإن حرمان إيران من التعامل بالدولار سيعرضها للإفلاس.

وأخيرا لا اعتقد ان الاتحاد الاوروبي لديه الكثير لتقديمه في سبيل تغيير واقع العقوبات التي فرضها الرئيس ترمب على ايران، كما انني لا اعتقد ان الاتفاق النووي سوف يستمر اذا لم يتم تعديله وفق المطالب الامريكية والتي هي محاكاة للمخاوف الاقليمية والدولية والتي اثبتت مصداقيتها بعد الاتفاق النووي. كما ان ايران باستمرارها في هذه السياسة سوف ينتهي بها المطاف الى الهاوية والاستثمارات الأجنبية التي كانت تشكل ورقتها الرابحة في كثير من مناوراتها في الاستمرار في سياستها العدوانية سوف تخسرها. والتالي فنحن مقبلون على نموذج يتشابه في كثير من سماته مع نموذج كوريا الشمالية حيث الحياة فيه أسوأ من الموت.

Ibrahim.othaimin@gmail.com