صحيفة اليوم

كلمة اليوم

ظلت تركيا ومنذ بداية القرن الماضي، عقب سقوط الدولة العثمانية، وقيام الجمهورية العلمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، تعاني أزمة هوية قاتلة، إذ بعد حالة الفصام التاريخي الذي جسدته الهرولة نحو الغرب تأثراً بمقولة أتاتورك «خير لنا أن نكون في مؤخرة الغرب عن أن نكون في مقدمة الشرق». فالإمبراطورية الكبرى التي هيمنت على الشرق قرابة خمسة قرون، وجدت أنقاضها فجأة، ابتعاداً عن هذا الإرث التقليدي، ولن نقول تنصلاً منه، في حالة استقراء غريبة للتاريخ وللجغرافيا، وتجاوزت الأزمة نوع الهوية، لتطال حتى حروف اللغة، وكل مظاهر الإرث انقلبت للنقيض، وفي فترات الاستفاقة، كان للعسكر اليد الطولى في إعادة الوضع إلى ما كان عليه، بل أخذ الجيش على نفسه عهداً بحماية العلمانية دستوراً، وقمع كل من يتمرد عليها.. وكان الانقلاب أحياناً مجرد تغيير لعجلات القطار لا للقطار نفسه. الإسلاميون نجحوا في الوصول للسلطة وعبر الأداة الديموقراطية ذاتها، لكن شهيتهم للاستمرار كانت أضعف من مجرد تغيير الجلد عبر أحزاب يتغير اسمها، ومنذ «الرفاه» ومع رجل مثل نجم الدين أربكان، الذي استطاع بحق تغيير النظرة عبر الانتقال الهادئ والالتزام بنفس المبادئ التركية وأدواتها العلمانية، صحيح أن أربكان لم يستمر وأطيح به، لكنه غرس بذرة تستحق أن تكون نموذجاً جديراً بالتأمل وبالعبرة لكل الحركات الإسلامية.. وجاء من بعده حزب العدالة والتنمية بنفس الأيديولوجيا ليكتسح صناديق الاقتراع خلال سنوات قليلة فقط، وبات السؤال الذي ربما لن نجد له إجابة عاجلة:»هل سقطت العلمانية في تركيا؟». بالطبع لا.. لأن زعيم المنتصرين نفسه شدد عقب الفوز على علمانية تركيا، لكنها بالتأكيد لن تكون كتلك العلمانية التي ينتهجها العسكر، فتركيا الحديثة الآن تمر بنفس مرحلة المخاض السوفييتي السابق، وتركيا المتدينة الآن، تحاول أن تبحث عن جذورها، أو تريد استعادتها، وما يزال بحثها عن دور إقليمي إلا سعياً نحو البوصلة، إذ إنها رغم فشل محاولتها الانضمام للاتحاد الأوروبي إلا أنها تحن لأن تكون في مقدمة الشرق، إنه الشعور الإمبراطوري القديم، ولا مانع أن يرتبط حتى ولو بـ»ذيل أوروبا»!