محمد عبدالله البوزيد

محمد عبدالله البوزيد

نرى ونسمع الكثير عن برامج التطوير الإداري التي تتبَنّاها المنظمات بهدف الرفع من جودة منتجاتها وإنتاجياتها وزيادة أرباحها وتُنفق الكثير من الأموال لتحقيق هذا الهدف وكما نرى أيضا النتائج غير الإيجابية و التي تدل على فشل تلك البرامج في تحقيق الأهداف المرجوة منها أو محدودية النجاحات التي تُحققها و نتساءل عن سبب هذا الفشل وتلك الخسائر التي تكبدتها ميزانياتها. الملاحظ أن برامج التغيير التي تُطبقها المنظمات هي عبارة عن برامج جاهزة صُمِمَت لمنظمات مختلفة وبيئات عمل غير بيئة عملها لذا فهي تحتوي على الكثير من الفرضيات التي أُُفتُرِضَت صحتها فقط لأنها صحيحة للمنظمات التي صُممت من أجلها ولربما لا تكون صحيحة في غيرها من المنظمات. لذا فإنه ليس من المعقول أن تنجح هذه البرامج الجاهزة في منظماتنا. لكل بيئة عمل شخصيتها المميزة والخاصة بها ولها قيمها ومعتقداتها وتقاليدها التي تعكس قيم ومعتقدات وتقاليد المجتمع الذي هي جزء منه. كي تنجح برامج التغيير يجب أن تتناسب وبيئة العمل التي يُطبق فيها هذا البرنامج ويجب أن يقوم على تطبيقها من لديهم معرفة بقيم ومعتقدات وتقاليد المجتمع الذي ينتمي إلية أفراد هذه المنظمة لأنه مهما كان النظام الإداري الجديد قوياً ورائعاً في مكان تصميمه إلا أنه لن يحقق النجاح نفسه بل ويفشل إذا تعارض مع قيم المجتمع. يُذكرني هذا الأمر بقصة قديمة سمعتها عن اقتراحات لتخفيف الزحام في مكة المكرمة في وقت نفرة الحجيج في المشاعر المقدسة. إذ بعد دراسات وتفكير طرحت عدة دول مقترحاتها لحل مشكلة الزحام. كان أفضل تلك المقترحات من فرنسا حيث اقترحوا أن تكون النفرة على ثلاثة ايام بدلاً من يوم واحد! فهل نتوقع مِمَن لا يعرف قيمنا أن يَأتي بحلول مثالية تناسبنا؟ ليس بالضرورة. برامج التغيير التي تتبعها منظماتها تُقَيِِّد الإبداعات و تَحِدّ من التطور وتقبل أقل مستويات الإنتاجية والجودة بل وتُجبر الموظفين على ابتكار طرق للتلاعب على النظام بسبب عدم صلاحيتها للتطبيق في بيئة عملهم. فتطبيقها يتم من خلال مبدأ التحكم والسيطرة والذي يُجبَر من خلاله الموظفين على تطبيق أنظمة دون اقتناعهم بصلاحيتها. ونظراً لأن هذه الأنظمة جامدة وغير قابلة للتطوير فإن التعلُّم من الخبرات التي يكتسبها الأفراد والمنظمة خلال سنوات عملهم لا يُستفاد منها بل وتتم محاربتها مِن قِبَل الهرم الإداري في المنظمة فكل ما يحرص عليه مديرو النظام هو الوصول إلى أرقام حددها لهم غيرهم وما عليهم إلا الاتباع. رد فعل أفراد النظام هنا يتناسب ومُتطلبات قادتهم ومتطلبات النظام وبالتالي سيحصل القادة على ما طلبوه من موظفيهم أي مجرَّد أرقام ولن يستطيع المديرون اكتشاف ذلك لأنهم بعيدون عن بيئة العمل الحقيقية فكل ما يربطهم بالعمل هو أرقام وتقارير تُفَبرَك لهم من أجل إرضائهم فالمديرون تربوا على سماع (كل شيء تمام يا ريِّس). وعندما يكون المدير ذا خبرة بما يحدث على أرض الواقع وما يعمله موظفو الخطوط الأمامية من جهود لتسيير العمل بشكل سَلِس في ظِل غياب دَعم النظام فإنه يبذل جهودا جبارة لإدارة الموظفين متناسيا أن المشكلة ليست في الموظفين بل في النظام أي أن جهوده تكون في الاتجاه الخطأ. فكل ما يحصل عليه هو الإرهاق والتعب الشديد والقلق المستمر وتذَمُّر الموظفين من العمل تحت إدارته وإرهاقهم بالرغم من أن المدير مخلص وحريص على عمل الشيء الصحيح ولكن تنقصه المعرفة بالطرق الصحيحة لفهم ما يحدث والتصرف بالشكل الصحيح. هذا النوع من المديرين تجده قد فقد الثقة في أغلب موظفيه ولكي يحصُل على معلومات عن عمل ما فإنه يوكِل المهمة إلى أكثر من شخص ليحصل على أكثر من تقرير كي يطمئن على صحة ودِقّة المعلومات التي وصلته. يُطالب بعض المُديرين موظفيهم بالدقة المتناهية في العمل ويكررون لهم أن دقة المعلومات التي يزودوهم بها ستؤثر على تقييمهم للموظف. فبسبب خوف الموظف من إعطاء معلومات غير صحيحة أو غير دقيقة وفي ظل انعدام الثقة في موظفي الخطوط الأمامية تجد هذا الموظف يقوم بالتأكد بنفسه من صحة جميع المعلومات التي تصله منهم خلال قنوات إضافية تُكرِر عملا قام به آخرون وتزيد تكاليف التشغيل للمنظمة. هناك من يتربعون على كراسٍ قيادية يُناقشون الموظفين في تفاصيل دقيقة والموظف الشاطر هو الذي يستطيع الخروج من هذا النقاش بشكل يُقنِع القائد بغض النظر عن صحة معلوماته. لذا تجد الكثير من القرارات الخاطئة والتي بُنيت على معلومات مُقنِعة وليست صحيحة. عندما يصِل تدخل القائد إلى مستوى معين في التفاصيل فإنها رسالة إلى الموظف أنه غير جدير بالثقة وأن عليه إثبات أنه لم يُفَبرِك تلك المعلومات للتخلص من مأزق وُضِعَ فيه فيحرص الموظف على اصطِحاب جميع الوثائق التي تُثبت صدقة! إن عدم شعور الموظفين بالأمان في مشاركة مديريهم الأخطاء ونقاط ضعف النظام له آثاره غير الحميدة والتي تدفع قيمتها المنظمة غالياً وأمام أعين الجميع فالرئيس اتخذ القرار بناء على (الأرقام) التي تصلة والتي بالطبع لا تعكس الواقع. من المديرين من يُطَبِق برامج تغيير فُرِضت عليه من الإدارة العليا وهو غير مقتنع بها ولا يؤيدها ولكن بسبب وجوده في هذا المنصب تجِدهُ يتحدث بحماس لهذا البرنامج أمام مديره ويُعيق نجاحه خلفه فكيف سيكون الحال بموظفي الخطوط الأمامية؟! يقول الدكتور جون سيدون مؤلف كتاب (أريدك أن تخدعني ... الدليل غير المعقول للجودة) وكتاب (التحرر من التحكم والسيطر) (تفشل جميع برامج التغيير إن لم يُصاحبها تغيير في التفكير) وأنا أتفق مع هذه المقولة. فسلوك المديرين والموظفين مبني على كيف يُفكِرون. فهل تعمل المنظمات على تعزيز جانب التفكير لدى موظفيها وقاداتها كي تُحقق أهدافها؟.Info@success.com.sa