صحيفة اليوم

استراتيجيات توطين التقنية ( 2 )

إن التكلفة العالية التي يتحملها اقتصادنا الوطني نظير نقل التقنية و امتلاكها ، كانت الدافع للعديد من شركاتنا الكبرى ، مثل أرامكو السعودية و سابك نحو تأسيس مراكز متخصصة للبحث و التطوير ، تلبي احتياجاتها للتطوير و تواكب متطلباتها في التوسع و ليكون الاستثمار فيها ، أجدى نفعاً و أقل تكلفةً ، و قيمةً مضافة لاقتصادنا الوطني تطفيء بها النزيف الهائل من موارد البلاد المالية و غيرها في امتلاك التقنية.إن التحديات التي يواجهها القطاعان العام و الخاص في مجال تطوير و نقل التقنية و في ظل النظام العالمي الجديد و ما يتبعه من التزامات دولية و إقليمية ، خاصة فيما يتعلق باتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية ، والذي أدى إلى ضرورة تبني مفهوم توطين التقنية كهدف استراتيجي يخدم مصالح البلاد الاقتصادية و يحميها وبالتالي إلى حتمية القيام بالمراجعة الشاملة و التقييم العلمي الحقيقي لمؤشرات التقنية بالمملكة في وقتنا الراهن ، التعبير عنها بشكل دقيق للوصول إلى رؤية واضحة للمستوى الذي آلت إليه التقنية بالمملكة . و لتحديد الأهداف الاستراتيجية من توطين التقنية بشكل دقيق و للتعريف بالأطر التي من خلالها نستطيع توطين التقنية ، و التي تتمثل في نقله و تطويره و الاستثمار فيه و امتلاكه و من ثم توطينه ليحمل الهوية الوطنية ، ينبغي تحديد الأدوات الفاعلة فيه ، مثل ذلك البحث و التطوير و التعليم بكافة مراحله و البيئة المثالية و الدعم الكامل بكافة أشكاله للمبدعين و المخترعين و القطاع الخاص الذي يعي الدور الوطني له في هذا الاتجاه وكذلك الرعاية الشاملة له من قبل الدولة .و بشكل دقيق يصعب القيام بعمل مقارنة للجهود التي تبذل في مجال البحث العلمي و التطوير بين احدى الدول الصناعية و بين الدول العربية مجتمعة فمعدل الإنفاق السنوي لأقل الدول الصناعية إنفاقاً في مجال البحث و التطوير مثل المملكة المتحدة حيث يعادل أكثر من مائة ضعف مما تنفقه الدول العربية مجتمعة و الذي يعادل 200 مليون دولار فقط * . حيث تشير التقديرات إلى أن الدول الصناعية تنفق ما يعادل 2-3% من دخلها القومي في البحث و التطوير العلمي و أن عالمنا العربي ينفق ما يعادل 0,0002 - 0,0003 % من دخله القومي في البحث و التطوير .و يعني ذلك بالضرورة إلى أن الضعف الذي تعانيه المنطقة العربية في مخرجات التقنية مرجعه للضعف الواضح للاستثمار في التقنية و تمويلها ، حيث تستمر مراكز البحث و التطوير لدينا تدور و تدور في حلقة مفرغة بدون تفعيل لدورها تجاه الصناعات الوطنية و تتراكم البحوث العلمية لديها في أدرجة النسيان ، و يصطدم الإبداع بواقع مرير من التقصير يمنعها من البروز ، بينما العالم الصناعي يحتضن في معامله العقول العربية بكل ترحاب و يدعمها بكافة التسهيلات و الوسائل المناسبة لتبدع و تنتج.