ابتسام القحطاني ـ الرياض

المهر.. حق شرعي للمرأة أم موروث لولي الأمر

شرع الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (المهر) وجعله حقا للزوجة عندما تتزوج، ولم يحدد الشارع اي قيمة لمهر المرأة وقد توارثت الامة الاسلامية بعض انواع المهر للمرأة كعدد معين من الابل او الاغنام، او دنانير ذهبية او فضية وغيرها، وكانت تلك الامم تمنح المهر حقا شرعيا للمرأة، غير انه وقبل عدة قرون تحولت تلك المفاهيم الشرعية وهو حق المرأة للمهر الى عادات واعراف اجتماعية تمنع المرأة من المهر كذلك حقها الشرعي في الارث والذي نص كتاب الله على وجود حق للانثى فيه وشرع له تقسيمات معينة بناء على العدد والجنس وما يستحقه الذكر وما تستحقه الانثى، غير انه لا تزال هذه العادات والاعراف متوارثة لدى الكثير من مجتمعاتنا وتحرم المرأة من المهر والارث بحجج واسباب غير مقبولة شرعا، والاستناد على الموروث من جهل الاباء والاجداد فلماذا تحرم المرأة منه؟ وهل بات من الضروري صدور فتوى شرعية تنص على مطالبة اولياء الامور منح النساء حقهن في المهر والارث كفتوى تحريم التحجير التي ظهرت سابقا، ام انه من الصعوبة تغيير تلك العادات المجحفة بحق المرأة؟البدايةفي تلك القرية البعيدة سمعنا عن معاناة ثلاث شقيقات فيها فكان لابد من الاقتحام لنعرف المجهول في هضم حق المهر والارث.بداية الامر تحتم علينا ان ندخل تلك الغرفة المظلمة.. لا تتجاوز 4 امتار كنت اعتقد في البداية انها خالية من الكهرباء. لكنني اكتشفت فيما بعد ان ذلك الظلام هو ظلام خيبة الامل والانكسار والضعف والتشاؤم لثلاث فتيات لا يتجاوزن الثلاثين من اعمارهن.. فالغرفة كئيبة غير منظمة. فرش النوم متسخة على الارض.. وبجانب كل فراش هناك علب فارغة للعصير وبقايا بسكويت او حلوى مكشوفة يكسوها التراب.. طلبت من فاطمة ان تفتح النافذة فرفضت فهي لا تريد ان ترى منزل شقيقها وعائلها هي واخواتها لانها تكرهه وبدأت تحكي لنا الحكاية. فاطمة: عمري 26 عاما مطلقة والسبب اخي فقد سبب لي مشاكل كثيرة مع زوجي حتى كرهني وطلقني.. واخذ مؤخر مهري 20.000 ريال بالاضافة الى مهري الذي يبلغ 40.000 ريال كنت احاول من اخي ان يعطيني مهري لاستفيد منه خاصة انني لم اكمل دراستي فضربني، واكد لي ان المرأة لا تأخذ مهرها بل ولي امرها وهو ولي امري والمسؤول عني، كما ان عمي حاول معه لاني يتيمة ولا احد يعرف بما ستأتي الايام، لكنه لازال على رأيه، بل لا اخفيك مصيبة أمر آخر انني انا وشقيقاتي تنازلنا اجبارا عن ارث والدنا قبل زواجي انا واخواتي فالعادة ان المرأة لا ترث لدينا وما يخلفه يكون ارثا للابناء فقط، وقد طلبنا هو واعمامي واقاربنا للتنازل فما كان منا الا التنازل.. وفي الاخير ترفع لنا راية بيضاء امام المنزل، انا حقا مظلومة ولكني لا اعرف كيف اخذ حقي.. هل تصدقين ان اخي الان يعرضني على مسن غني ليأخذ المال.. واكد لي بانه سيطلب مهرا قدره 100.000 ريال ومؤخرا ولم يحدده لي وانا محتارة في امري هل ساقع كما وقعت مع زوجي الاول بسبب اخي ام ماذا؟.. تبكي فاطمة وتضع رأسها على وسادتها الصغيرة.. وهي تقول احتار.. احتار في امري.رفضنورة شقيقتها تبلغ من العمر 24 عاما رفضت الزواج حتى لا تقع في مشكلة اختها وهي المهر ومؤخر الصداق لم تستطع الحديث فغصت البكاء تخنقها العبرات بعد ان رأت اختها تبكي بألم.. وتلتزم الصمت وتكتفي بدموع القهر، كذلك الاخت الصغيرة (سامية) والتي تبلغ من العمر 23 عاما وهي الوحيدة التي تكمل دراستها كل ما عرفته منها وهي تبكي ان مرتبها في الجامعة مستحق لشقيقها فقط وليس لها ومصروفها في الجامعة ريالان تقوم بجمعها حتى نهاية الاسبوع ثم تشتري ما تريد لها ولشقيقاتها.ظلمتبلغ هذه العجوز المسنة حوالي 75 عاما برغم مرارة مصيبتها في شقيقها الا انها استقبلتني بحب وابتسامة لا اعتقد انها ستفارقني ما حييت، فتحت لي العجوز جيبها وقالت هذه (500) اعطاني اخي بعد ان حضرت عنده وجبة غداء وقال هذا مقابل تنازلك لي عما ورثته.. ولا تزال العجوز في حيرة من امرها كيف تنازلت واصبح ارثها ملكا له وهنا يبدو انه لعب لعبة واستغل احد قريباته للتنازل في المحكمة على انها شقيقته هذا ويقدر ارثها باكثر من 80.000 ريال وعندما سألتها لماذا فعل شقيقك هكذا فقالت بابتسامة يكسوها الم: عندنا من العيب ان ترث المرأة واهلها من اشقائها احياء فاما ان تتنازل لهم بالارث او يحدث لها ما حدث لي.فتاة تعترف(لطيفة) متزوجة تبلغ من العمر 26 عاما لديها طفل واحد تقول: عندما تقدم زوجي لخطبتي ووافق والدي بشرط ان يكون المهر 60.000 ريال وقد اخذها ووزعها بين اخواني الذكور دون ان احصل منها على قرش واحد، وعندما طلبت من امي ان تطالب والدي ان يعطيني من مهري كحق شرعي دخل لي وضربني وشتمني وقال بفم مليء: المرأة عندنا لا تأخذ المهر هو للاب.. صمت بالرغم انه من حقي ان يكون المهر لي انا واتصرف به كيف اشاء.. اننا حقا كنساء جبناء لا نطالب بحقوقنا.العادات فرفضتالمعلمة (هدى) اكدت ان والدها غني جدا ولديه من المال ما يكفيه الا انه مع ذلك كان يأخذ مهر بنت من بناته 40.000 ريال وقد قام بتزويج 6 بنات ولا تزال هناك 3 على ابواب التخرج ثم الزواج اي 240.000 ريال مع انه شرعا حق للمرأة هي التي تتصرف فيه وملكه فلماذا يهضم هذا الحق بحجج ان المرأة مهرها لوالدها؟.قطيعةام فيصل تبلغ من العمر 36 عاما تقول: توفي والدها ووالدتها فتركا لهما ارثا لعدد لا بأس به من الاراضي خاصة الزراعية والعمرانية، وقد تنازلت جميع شقيقاتي عن ارثهن وقام شقيقي بدعوتهن وتكريمهن الا انا بسبب رفضي التنازل فانا لم ارفض بل زوجي ضغط علي واقسم ان يطلقني اذا تنازلت وان احرم من ابنائي.. فرضخت وبقيت في حيرة من امري اخي ومقاطعته لي التي دامت ثلاث سنوات وزوجي الذي اقسم بطلاقي في حالة تنازلي.. وهكذا حتى تدخل عدد كبير من الرجال كوسطاء وطلب زوجي كي اتنازل عن ارثي فوافق وتنازلت عن ارثي ثم عادت علاقتي مع شقيقي.. والباقي يتظلمن.(هند ـ وفاطمة ـ منيرة ـ اريج ـ العنود ـ سميرة ـ ايمان ـ سناء ـ نورة ـ نهى ـ ندى ـ هدى... وغيرهن) تتمثل معاناتهن في ان المهر حق للولي وليس لهن.كذلك هنا اسماء ونماذج اخرى لنساء حرمن من ارثهن بسبب موروث جاهلي لم يعرف نور الحق والعدل وقصصهن مشابهة لما نشر.الرأي الشرعيالشيخ سعد بن محمد من هيئة التحقيق والادعاء العام علق على الموضوع بقوله: يؤسفني كثيرا ان هناك من الناس من اولياء الامور لازالوا يتوارثون مفاهيم واعرافا او ربما عادات انما هي من الجاهلية التي كانت تمنع المرأة حقوقها، وعندما جاء الدين الاسلامي كرم المرأة وجعل لها مهرا لزواجها ولم يحدده ليكون بمقدرة وحال الزوج، وجعل الدين المهر حقا للمرأة المتزوجة فقط لا يجوز اخذه بأي حال من الاحوال سواء من قبل الاب او اخواتها او ولي امرها الا اذا قدمته هي لهم، اما ان يأخذ الاب المهر بحجة ان التوارث اجتماعيا من عادات واعراف الاباء والاجداد فهذا اثم يتحمله ويبقى امانة في عنقه الى يوم القيامة عليه ان يسلمها للمتزوجة فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه الكريم (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) اي مهورهن فالمهر حق للمرأة وليس لولي الامر كما هو متعارف عليه عند الكثير من الناس. اما بشأن موضوع الارث فهذا مما يؤسف حقا ان يكون هناك اناس لا يتفون الله في حق النساء والبنات في ارثهن، وهناك قصص كثيرة في المحاكم تأتي المرأة تطالب فيها بإرثها الذي اخذه شقيقها او اشقاؤها وتقدم عليهم بشكوى، فاخذ حق المرأة او البنت في ارثها من والدها او والدتها لا يجوز مطلقا، كما يحرم على من يحرم او يجبر النساء على التنازل في ارثهن فهو حق شرعه الله عز وجل للذكور والاناث.وعن الحل الامثل لحل مثل هذه القضايا اكد الشيخ سعد ان الحل ربما يحتاج الى وقت لتوعية الناس عبر وسائل الاعلام المختلفة بحقوق المرأة الشرعية (فالمهر والارث حق شرعي يجب منحه للمرأة بناء على احكام الدين الاسلامي وليس بناء على عادات واعراف ليس لها نص، كما ان محاسبة ومعاقبة اي ولي اخذ المهر والارث وسلب النساء الحق فيه اما بالسجن او دفع تعويض مادي للمرأة لان الدين عندما جعله حقا شرعيا تقديراً للمرأة ولانها تحتاج ان يكون لها مصدر رزق او خير يدر عليها او على ابنائها بخير.واشار الشيخ سعد الى اهمية صدور فتوى شرعية مماثلة للفتوى التي صدرت من مفتي عام المملكة قبل عدة اسابيع ووجدت اصداء كبيرة بين افراد المجتمع تبين حق المرأة في الارث والمهر.وطالب النساء بأخذ حقوقهن الشرعية التي اوجدها الله لهن بأي وسيلة لان مشكلة المرأة لدينا انها تجهل حقوقها الشرعية وبالتالي حصول الظلم عليهن، وطالب جمعية حقوق الانسان بمتابعة قضايا المرأة خاصة ورفعها للجهات المختصة واخذ حقوق المرأة.