صحيفة اليوم

ليلى من (ملهى ليلي) إلى التوبة والرجوع إلى الله

أقلعت الطائرة وشقت عنان الفضاء بعد أن جلس كل راكب في موضعه.. عشرات من المعتمرين المتوجهين إلى بيت الله الحرام وكثير من العمال والموظفين ورجال الأعمال وعدد من المشتغلين بالفن وقليل من هواة السياحة والسفر ... كانت الطائرة مليئة عن آخرها .. اختلطت الأصوات بين ذاكر ومهلل ومتحدث كل امرىء مشغول بنفسه تقدم شاب إلى كرسي تجلس عليه فتاة في أواخر العشرينات وبدأ يسرد لها ما يحفظه من نكات وتعليقات وهي تبتسم تارة وتجامله تارة أخرى وبعد فترة صرخ فيها لم أنت حزينة .. قالت والدموع تنهمر من عينيها أمي مريضة .. قال لها: سلمي أمرها لله .. قالها دون اهتمام وعاد إلى فكاهاته وتعليقاته .. ولكن الفتاة كانت في ذهول عنه وعن أقواله .. وكانت تسترق النظر إلى مؤخرة الطائرة حيث يجلس المعتمرون قال لها ساخراً .. هل أعجبك أحد الشيوخ لأخطبه لك .. قالت بل تمنيت أن أكون معهم وازور بيت الله الحرام... كانت تجيد أنواعاً من الفنون غناءً ورقصاً وتمثيلاً وكانت على قدر من الجمال وكان عملها يدر عليها الكثير من الأموال فهي تعمل في ملهى ليلي ولكنها تعلن أنها غير سعيدة رغم الشهرة والهدايا الثمينة والثياب الغالية وكل متع الحياة الدنيا .. إنها قلقة متعبة تحس بأنها سلعة رخيصة .. تتهافت عليها النفوس الضعيفة تود أن ترمي كل شيء وتخلد إلى نفسها في حساب سمعت صوت التهليل يعلو ويرتفع ورأيتها دون شعور تردد معهم التسبيح والتهليل أراد الشاب أن يحدثها فقالت .. يا أخي نحن في رمضان .. اسكت قال مستغرباً رمضان مين يا ست ... قالت أرجوكثم قامت من مقعدها وتوجهت إلى مؤخرة الطائرة .. بكت كثيراً وهي تسبح ألقى عليها أحد الركاب غطاءً للرأس فقالت .. أريد أن أتوب .. أريد أن أعود إلى الله... أسألكم بالله أن تدعوا لي عند بيت الله ... قال لها رجل مسن إن شاء الله .. إن شاء الله ولكن أنت من يجب أن يبدأ الطريق .. قولي تبت إلى الله ورجعت إلى الله .... ثبت إلى الله ورجعت إلى الله .. استغفر الله .. وبكت .. وبكى معها الكثير .. قال رجل يجلس في مقعد قريب .. لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل في فلاة أضل راحلته .. وغاب صوته برهة ثم قرأ قول الله تعالى (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) ... وقامت لتتطهر بقدر ما تستطيع وفجأة أضاءت أنوار الطائرة تنبه على ضرورة ربط الأحزمة .. وساد سكون مخيف والكل يترقب والطائرة تترنح يمنة ويسره واشتد اضطرابها .. أقفل العاملون على الطائرة كل التسجيلات والمنوعات والأفلام .. وبقي صوت القرآن يتردد عذباً في أنحاء الطائرة الكل الآن يسبح ويستغفر ومرت عدة دقائق حسبناها ساعات وأخيراً خرج علينا مساعد الطيار ليخبرنا بأن الطائرة تجاوزت بصعوبة عاصفة شديدة وقام الركاب بتهنئة بعضهم بالسلامة .. قالت الفتاة .. سأعود إلى أمي .. لن أتابع الرحلة ... قال الشاب : والفن والمجد والشهرة .. وحرام تضيعين كل شيء قالت : الحرام هو أن يضيع الشباب في معصية الله ... وهبطت الطائرة وتفرق ركابها .. وظل صوتها يتردد في أذني .. تبت إلى الله ورجعت إلى الله . @@ خالد محمد الشريف