د. ابراهيم المحبوب

تكريم الإنجاز الوسط

يكثر في بعض الأوساط حضور مناسبات التكريم، والتي تمنح فيها الشهادات والدروع، حتى إن بعض مسؤولي الإدارات يكادون لا يجدون مكانا توضع فيه هذه الدروع والشهادات لكثرتها. ولكن دعنا نتساءل: هل يستحق هذا الشخص المكرم كل هذه الدروع والشهادات؟ فلا بد إذن أن يكون إنسانا متميزا ومتفانيا في عمله! لكن واقع الحال: أن أغلب تلك الدروع والشهادات لم تمنح لهذا السبب. بل منحت لأسباب غير ذلك.هي ثقافة الاحتفاء بالإنجازات غير المتميزة أو (الإنجاز الوسط)، أو هي ثقافة الاحتفاء بالكرسي لا بشخص صاحبه، لو أردنا أن نقول أكثر من ذلك: نجد مدير إدارة يكرم، لا لتفانيه في عمله، بل فقط لكونه مديرا. وفي مناسبة تكريمه يكرم أناس آخرون على هامش التكريم. ومهمة الحضور التصفيق بعد ذكر اسم كل مكرم مع وميض كاميرات التصوير، وهذا مشهد يتكرر لدرجة الملل. كما نجد حفلات المدارس التي تسرف في تكريم (غير المتميزين) في معية من هم متميزون حقا، حتى إن بعض المدارس لا تحتفل فقط بالطلاب (الخريجين)، وإنما تجعل الانتقال من صف الى صف احتفالا. فقد تدعوك مدرسة أحد أبنائك للاحتفال بانتقال ابنك أو ابنتك من الصف الرابع الابتدائي إلى الصف الخامس الابتدائي، ويعطى الطالب لذلك هدية تذكارية، سالبين بذلك المتميزين فعلا من تميزهم. ويمكنك أن تتصفح مواقع بعض الجهات أو تقلب صفحات بعض الصحف لتجدها تزخر بصور بعض المسؤولين وهم يقومون بزيارات ميدانية للجهات التي تتبع لهم إداريا، ومعهم وفد مصغر من (كبار) المسؤولين لتفقد جهة ما، وملحق مع هذه الصور خبر صغير مفاده: أن المسؤول الكبير قد قام بإنجاز ضخم هو في حقيقة الأمر عمله الذي يفترض أن يؤديه على خير وجه دون تكريم. والمضحك المبكي أنك تجد تلك الجهة استعدت لزيارة المسؤول بدرع لتكريمه على هامش الزيارة لشكره على تأدية واجبه.ثقافة التكريم بهذه الطريقة تكرس للاحتفاء بالإنجاز الوسط على حساب الإنجاز المتميز. وربما يكون ضررها أكبر من ذلك، فهي قد تفقد بعضهم قدرة التميز والتفريق بين ما هو متميز حقا وما هو عادي ونمطي. فبما أن الكل يكرم فقط لأنه أدى عمله بالمستوى المتوسط، فما الداعي للتميز؟ التميز يختلف تقديره عن ما هو وسط. والتميز فقط هو ما يجب الاحتفاء به. لكن في اعتقادي أن ما يدفع بعض الجهات للاحتفاء بالانجاز الوسط هو التغطية على ضعف الإنتاج أو ضعف الأداء. فتصبح هذه الاحتفالات الجوفاء في حد ذاتها إنجازا. تماما مثل الاجتماعات المصورة لبعض المسؤولين في جهة ما. فتجد صفة الاجتماع مألوفة كما هو واضح من الصور المنشورة. فهناك قرطاس وقلم أمام كل فرد من المجتمعين، ولا بأس من وجود بعض قوارير الماء والعصير. أما عما يسفر عنه هذا الاجتماع فلا تسأل!! لأنه في الغالب اجتماع عادي في يوم عادي من أجل تنسيق أو مناقشة أمر عادي. أو بمعنى آخر، هو جزء من العمل المفترض القيام به من قبل كل المجتمعين بشكل اعتيادي. ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: لماذا تم تصوير هذا الاجتماع وتوثيقه؟ هل هو ليقال: إن المجتمعين قاموا بأعمالهم، أم أن الخبر الحقيقي الذي يتم توثيقه دون أن يشعروا هو أن المجتمعين لم ينجزوا كثيرا من الأعمال المتميزة، ومن أجل تحسين صورتهم تم توثيق الاجتماع الاعتيادي لكي يحسب لهم إنجاز متميز؟ هذه الظواهر وغيرها ما هي إلا انعكاسات سلبية لظاهرة عدم الانجاز المتميز أو هي دليل واضح للتغطية على عدم (القدرة) على الانجاز المتميز. فما كان من وسيلة إلا أن يحتفى بالإنجاز الوسط الذي أصبح يزاحم التميز في كل جانب. فبدل أن ننظم حفلا لتكريم العشرة الأوائل من الخريجين يتحول الحفل لتكريم المدرسة كلها، فتمت المساواة بين الطالب المتفوق والطالب الوسط.