د. سمية السليمان

العزلة

تبدو العزلة وكأنها شيء مخيف للكثيرين. أن نكون وحدنا تمامًا. وهنا لا أقصد أن نشغل أنفسنا ونحن وحدنا بل فقط أن نكون. دون تلفاز أو لابتوب ودون هاتف ذكي وإنترنت. متى كانت آخر مرة انفصلت فيها عن كل هذه التقنيات وعن الناس؟ سؤالي ليس عن السكن في كوخ معزول فوق جبل دون خدمات بل عن دقائق نفصل فيها أنفسنا من زخم الحياة. أن ننفصل عن الضجة عن قصد. لاحظت كثيرًا أنه عندما يجتمع اثنان ويترك أحدهما الآخر تجد الذي بقي يخرج هاتفه سريعًا. لا يطيق الانتظار لدقائق دون أن يشغل نفسه. البعض اعتبر الجوال كالدرع التي تمنع عنه الناس بتوفير عالم بديل يغوص فيه. وإن كانت التقنية تعزلنا اجتماعيًا عن الناس المحيطة بِنَا إلا أنها ليست العزلة التي أقصدها. إن العزلة شيء صحي ومفيد نسمح من خلالها لأنفسنا بأن نعيد التوازن إلى حياتنا. تسمح لنا بالنظر للأمور من خلال أعيننا وليس أعين الناس. فمع الزحام الذي نحاط به وتداخل الأصوات يصعب أحيانا الاستماع إلى أنفسنا ويسهل الانجراف مع من يعلو صوته. لعلي أشبه الناس بالأجرام السماوية. جميعنا إما كواكب أو أقمار أو نجوم لنا مساراتنا وجاذبيتنا. عندما تكثر الأجرام السماوية في محيطنا قد نفقد مسارنا من تأثير جاذبيتها علينا. فقط بالانعزال نستطيع أن نعيد توازننا. العزلة قد توحي بشيء سلبي أو مخيف ولكنها مكان ننهل منه الفهم العميق والطاقة للاستمرار والإبداع. إنها انتعاش للروح ومكان راحة لا نجده إلا إن تجرأنا على الانعزال. فالجرأة نحتاجها لأنه من خلال الانعزال سوف نسمع أنفسنا ونواجه ما كنّا نتفاداه طويلًا بالانشغال المستمر. فقط عندما نعطي أنفسنا مساحة نستطيع اتخاذ قرارات سليمة ونعيد بناء أنفسنا لنصبح أقوى.وقد نتعدى الأمر إلى أن العزلة طريق لمعرفة أنفسنا. فالكاتب باولو كويليو (Paulo Coelho) يقول «مباركين هم أولئك الذين لا يخشون العزلة ولا يخافون من صحبة أنفسهم ولا يبحثون دوما عن شيء للقيام به أو ما يمتعهم أو ما يطلقون عليه الأحكام. إذا لم تكن وحدك أبدا لا يمكنك أن تعرف نفسك».