د. طرفة عبدالرحمن

الأمان المعرفي

بعض المعلومات التي تركن أو تستند عليها في أمر ما، تجعلك متورطا في بعض أزماتك النفسية أو العملية أو الحياتية. هذا التورط قد يمتد لسنوات من عمرك، أو ربما تنتهي حياتك وأنت عالق بسببه في عنق الزجاجة. جزء من جهل الإنسان وشقائه في الحياة، متولد من قناعات أو أفكار عرقلته عن التقدم.هناك من يملك القدرة على التصالح مع عقده النفسية ومشكلاته الاجتماعية، أكثر من قدرته على الانفتاح على الحلول والخيارات الجيدة في الحياة، لأنه عاجز عن التفكير بطريقة مجدية، ويركن إلى منطقة الأمان المعرفي التي شكلتها حصيلته الثقافية والتربوية، لأنه لا يعرف غيرها ولا يريد أن يعرف غيرها، بغض النظر عن مدى ما سببت له من عراقيل أو مشكلات أو حجب خيارات أوسع له.تذكر دائما أن الإنسان لا يأسى فقط على الأيام والسنوات واللحظات التي فلتت من عمره ولم يقضها في سعادة وامتنان صادق لكافة النعم في حياته، بل سيأسى بشدة على تاريخ عقله وتفكيره الذي لم يأخذ مكانه الصحيح في الوعي. تأكد أن الدنيا بكل تفاصيلها وأحداثها، حلوها ومرها، والناس فيها على اختلافهم، لن يكونوا ذاتهم في عينك بعد أن تصل لإحدى درجات النضج العقلي والروحي.لا شيء سيغير حياتك ويقلب كينونتك النفسية والعقلية مثل الوعي. وهو مراحل ودرجات، إحداها، أن تقدر على مراجعة قناعاتك ومسلماتك الثابتة أو بمعنى أدق «الراكدة»، خاصة تلك التي لا تتوافق بطريقة طبيعية أو مريحة مع نفسك وواقعك. أيضا إحدى درجات الوعي، أن تملك مهارة التفكير والنقد، بأسلوب يجعلك تقف في منطقة الوسط بين الشك المطلق واليقين الجازم.الإنسان كما يقال (عدو ما يجهل) وهذه قاعدة تنطبق على معظم البشر، وحدهم الصفوة من العلماء والمفكرين والفلاسفة، من شذوا عن هذه القاعدة، ولذلك تمركز هؤلاء النخبة في قمة الهرم الفكري، وعلى أثرهم تغير مجرى الحياة في كل الحضارات الإنسانية، بينما كانت القاعدة العريضة ملأى بالمقلدين.نحن الآن في مرحلة زمنية وفكرية من السهل أن يرتقي فيها الإنسان بوعيه، وأن يصل إلى درجة جيدة من النضج العقلي والروحي، وهناك أساليب عدة يستطيع أن يفعل بها ذلك، متى ما اشتدت الرغبة وعقد العزم، حيث كل الوسائل ستتجلى أمامه. إن المرحلة التي يصل فيها اعتقاد الإنسان بأنه بلغ درجات عالية من العلم والمعرفة لا تحتاج المزيد أو التمحيص، فإنه في طريق التراجع وتعطيل العقل.