د. طرفة عبدالرحمن

وهم الأفضلية..

إحدى الأزمات الأخلاقية التي ينجرف لها الأفراد باستمرار، إصرارهم على تقييم الآخرين في كل مناسبة أو حدث، سواء كانت لهم علاقة بهذه المناسبة أو لم يكن.. الأكثر خطرا من هذا السلوك، أن يركن أحدهم إلى الاعتقاد «بوهم الأفضلية» وذلك بأن يظن جازما بأنه (الأفضل) أو (الأكبر) أو (الأعلى) شأنا من الآخرين، من ناحية فكرية أو دينية أو أخلاقية أو أي أمر آخر.. والمشكلة أن المعتلين بهذا الاعتقاد، لا يكتفون بممارسة المفاضلة في السر مع ذواتهم، بل يجهرون بها.! وقد تفشى هذا العيب في نقاشات الناس العامة، حتى أصبح أمرا غير مستنكر.. نسبة كبيرة لا ترى عيبا في أن تقدح في شخص آخر، أو تضع تقييما سريعا لأخلاقه، ليس لمجرد شعورها بالأفضلية عليه فحسب، بل أحيانا رغبة منها في تضخيم نفسها بالمقارنة معه..إن كنت باستمرار تمارس تقييم الآخرين، ولديك شعور يقيني بأنك أفضل منهم، فأنت في مشكلة فكرية ونفسية تنعكس على شخصيتك وأخلاقك.. وإن كنت تقيم الآخرين وتستنقصهم لتنال منهم أو من نجاحاتهم فأنت في مشكلة نفسية وأخلاقية وتربوية.. أكبر الاشكالات التي تواجه المآزق الأخلاقية في السلوك البشري، أنها بمرور الوقت، تصبح معتادة غير مستهجنة رغم الإقرار بخللها..سيزداد عدد المعتلين بوهم الأفضلية إذا وجدت لها متسعا في الفعل الاجتماعي العام، فالأفراد دائما ما يفتشون عن أي صفة تميزهم عن الآخرين ليتفاضلوا بها عليهم، حتى لو كانت مفاضلات واهية غير معتد بها في الميزان الإنساني والأخلاقي.. المنشغلون بالتصنيفات والعنصريات، والتدخل في شؤون الآخرين وتقييم أفعالهم، دائما يعانون تدنيا في الوعي والمعرفة، ولديهم افتقار لقدرات تطوير الذات، أولا، لأنهم لا يحسنون التركيز في الاهتمام بشؤونهم في مقابل شؤون غيرهم، وثانيا، اعتقادهم بأن أخلاقهم وتميزهم يزداد إذا ما انتقص غيرهم.. التسرع في نقد الآخرين أو التوهم بالأفضلية عليهم، يفصح عن الكثير من فكرك وخلقك وطبيعتك النفسية والاجتماعية، لذا راقب ذاتك وحاول فهم واقعها، وتدارك علتها إن كنت مصابا بإحدى درجات أو مراحل (وهم الأفضلية)..