عبدالله الغنام

القلب بين أفلاطون وأرسطو!

سمعت مقولة منذ زمن وهي: الناس إما أفلاطون أو أرسطو. والمقصود منها أن الشخص إما أن يكون عاطفيا أو عقلانيا. والسبب وراء تلك الكلمة أن أفلاطون كان حالما مثاليا في مدينته الفاضلة التي رسمها في مخيلته الجامحة، والتي تحدث عنها في طيات كتابه «الجمهورية». ولذلك حين تتحدث وتأخذك العاطفة وتسرح في بحر أحلامك تسمع أحدهم يقول لك: لا تكن أفلاطونيا. في حين أن أرسطو كان إنسانا واقعيا، ويعرض القضايا والأمور على عقله دائما قبل أن يحكم على الأشياء من حوله أو يرجح في المسائل.ولعل البعض بعد قراءة المقدمة سوف يتساءل ما علاقة هذا بالموضوع أصلا؟! وهنا سأعرض بعضا من النقاط التي من خلالها سترى العلاقة الوطيدة بين طريقة التفكير وبين اتخاذ القرارات والأفعال المبنية على أساسها.فعلى سبيل المثال كل إنسان تمر عليه في حياته المهنية والأسرية والاجتماعية قضايا ومسائل مختلفة يحتاج فيها إلى قرار حاسم أو اتخاذ موقف. فهل يغلب الجانب العاطفي (أفلاطون) أم الجانب الآخر العقلاني (أرسطو)؟. والعاطفة من سماتها عموما الاندفاع والتسرع في الانفعالات وفي اتخاذ القرارات. وفي المقابل هي أيضا سبب للإبداع والابتكار حين توجه إلى الطريق الصحيح، وحين تتعاضد الموهبة والعاطفة معا. وأما العقل، فهو سيد الـتأني والموازنة، وقد قال الأحنف بن قيس (من حُلماء العرب): «إن عجبت لشيء فعجبي لرجال تنمو أجسامهم وتصغر عقولهم».ومسألة اتخاذ القرارات أو المواقف معضلة ليست بتلك السهولة كما نظن لأن الطابع أو النمط الشخصي قد يتغلب على القرار المتخذ، وقد قيل: الطبع يغلب التطبع!، ومحاولة الموازنة تحتاج إلى تدريب وممارسة واستشارة. بالإضافة إلى تراكم من الخبرات التي تعطينا القدرة على اتخاذ القرارات والأحكام على مختلف المستويات.ومنها أيضا أننا حين نختار فريق عمل أو حين نستشير الآخرين في مسألة سواء شخصية أو مهنية علينا تحري طريقة تفكير ذلك الشخص إن كان ميالا إلى الجانب العاطفي أو العقلي.ومن النقاط المهمة أن أفلاطون كان معلما لأرسطو ولكن لم يكن أرسطو ليطمس شخصيته في معلمه، بل كان محافظا عليها، حيث قال: أفلاطون صديق والحق صديق ولكن الحق أصدق منه. وهذا المفهوم له أبعاد ونتائج رائعة وناضجة حين نتبعه سواء في اختلافاتنا الفردية أو العملية أو الاجتماعية حيث لا يعني الإعجاب بالشخصية أن ننصهر في داخلها، بل يبقى تنوع الأفكار والشخصيات والآراء مفيدا في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات.والأمر الآخر المفيد، أنه للخروج بأفكار إيجابية وخلاقة، فنحن نحتاج إلى كلا النمطين من التفكير شريطة إعطاء الآخرين الأريحية للتعبير عن أفكارهم وآرائهم، ولعلنا سنذهل بكم الاقتراحات وكذلك بالمخرجات والنتائج. وهذا يجرنا إلى قضية مهمة نعاني منها كثيرا وهي فن الإنصات (بالعقل الحاضر) وليس الاستماع (بالأذن فقط)، وهي ليست بالمهارة السهلة التعلم ولكنها ممكنة. وهي تحتاج إلى الكثير من ضبط النفس والهوى لتصبح عادة. وقد قال أرسطو: «نحن ما نواظب على فعله»، وحين نواظب عليه سنتميز به. وعندما سئل ستيفن كوفي (مؤلف كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية) في إحدى المقابلات: ما هي المهارة التي ما زلت تحاول أن تتقنها وتعاني منها؟. قال: مهارة الإنصات! ومما يثير الانتباه والتأمل أنه هل يمكن أن يجتمع (العقل والعاطفة) في موضوع واحد من الجسم مثل: القلب؟!، فقد قال الله سبحانه وتعالى: «فتكون لهم قلوب يعقلون بها».وختاما، هل كنت قارئ منصتا أم مستمعا لهذا المقال؟ وهل كان ذلك بعقلك أم بعاطفتك؟