فهد السلمان

مشعل العنزي وصناعة القدوة

سأظلّ أطالب، وأطالب، وأطالب، كلما سنحتْ لي الفرصة، بأن تتبنى الدولة مسؤولية صناعة القدوة كجزء من واجباتها تجاه رعاية الشباب، وبناء شخصياتهم، وإيقاظ حس الإيثار في نفوسهم، ودفعهم للتضحية، وتصعيد المسؤولية الاجتماعية في أذهانهم. فالأوطان والمجتمعات النبيلة لا تُبنى إلا من خلال رعاية القدوة الحسنة، وترقيتها إلى مرتبة البطولة.فوّتنا الكثير من الفرص، وأهدرنا الكثير من الوقت، ومرّ بنا عديد من المواقف التي كان من الواجب أن نستثمرها لنصنع من خلالها القدوة في صفوف شبابنا، لكننا فرّطنا فيها، أو تعاملنا معها بشيء من المجانية واللامبالاة على اعتبار أنها حدث عابر، دون أن نعي أهمية توظيفها لرعاية الشباب، وخلق أدبيات التنافس فيما بينهم من جهة البحث عن الفضيلة في المبادرة بالمواقف المبجلة. وحينما كرّمنا بعض المواقف، كرّمناها بما يُشبه المنّة، فرتّبنا لبعضهم حفلا باهتًا بكلمات شكر بالية، أو دسسنا في كفّه قطعة كرتون كشهادة تقدير، أو درعاً من الصفيح، وكأن هذا هو كل ما يمكن أن نكافئه به. هذا التقدير الباهت، لا يصنع قدوة، ولا يحضّ على تضحية. تذكرون (عبدالعزيز) ذلك الشاب الذي كتبتُ لكم عنه، والذي تبرع بكليته لفتاة لا يعرفها لمجرد أنه تأثر بدموع والدتها وقلّة حيلتها، هل استثمرنا قصة مبادرته لصناعة عشرات (العبد العزيز) لنحلّ أزمات العديد من مرضى الفشل الكلوي بالتبرعات المجانية؟، طبعًا لا، وإنما تركنا مكافأته لله، ونعم بالله، وهي حتما خيرٌ مما يجمعون، لكننا لو تبنينا نظامًا يُلزم الجهات المسؤولة في الدولة كالشؤون الاجتماعية، ويُجبر البنوك وشركات القطاع الخاص على تثمين وتقدير المواقف النبيلة كموقف الشاب العريف (مشعل العنزي) من الدفاع المدني بحائل، والذي ضرب أروع الأمثلة في الإيثار عندما نزع قناع الأكسجين الخاص به وسط الحريق ليضعه على فم أحد الأطفال، حيث عرّض حياته للخطر شفاه الله. ماذا لو ثمّنّا هذا الموقف بتوسيمه وترقيته للرتبة التي تلي رتبته، ومكافأته بمنحة أرض، ومبالغ مادية مجزية من البنوك، وصنعنا منه عبر الإعلام بطلا ووو... لرأينا كيف سيكون أثر ذلك على شبابنا، التقدير المادي والعيني والمعنوي وبالسخاء الذي تستحقه مثل هذه المواقف ليس خسارة، لأننا سنحصد عائده تضحيةً وإيثارًا بالغ الفخامة.