عبدالعزيز اليوسف

هذرات وشجون

الامتلاء باليقين يضعنا أمام حاجاتنا بهدوء وتساؤلات مرهقة، نفكر فيما نبحث عنه، ولا نبحث عما يمكن أن نفكر فيه، لن أكون متشائما بل شفافا مهذارا لوقت قصير، الخير في أمتنا صحيح، لكن الزمن مختلف، ما زالت النفس تحتاج للاستيقاظ من نوم (الأنا) فنفهم ما حولنا. بعض ما بحثت عنه:بحثت عن الصدق والوضوح في عالم لا يؤمن إلا باللف والدوران حول نفسه فلا أجد إلا كثيرا من الغرباء الكاذبين، وكثيرا من المُحابين، الغامضين.بحثت عن أسرة الزمن الجميل بتعاونها، وتجملها فلم أجد إلا أسرا مختلفة، وبيوتا لا تسع حتى العائلة الواحدة.بحثت عن الصداقة الحقيقية النقية فلم أجد إلا أشخاصا يتحدثون عن الصداقة كأقصى إحساس بها، ولا يتعاملون بتطبيقها، ولا تحقيقها. بحثت عن أمهاتنا الأُول بطيبتهن، ولبسهن البسيط، وشراشف الصلاة، ونكهة طبخهن، وحضورهن العاطفي، وبركتهن، وجهدهن في التربية، وإدارة المنزل، وتحملهن العناء والأعباء، وحفظهن لبيوتهن ولأزواجهن بين أمهات الزمن الحديث فلم أجد إلا كثيرا من أمهات مختلفات، يتبعن صرعات الحاضر، ويتفلتن من المسؤوليات، ويتململن، ويتجاهلن التربية، ويفرطن في أزواجهن.بحثت عن آباء العصر الأصيل المسؤولين عن أهاليهم.. فلم أجد إلا آباء قانونهم عش يومك فقط، أشغلتهم دنياهم عن بيوتهم وزوجاتهم وأبنائهم.بحثت عن الحب، والوفاء، والتسامح، والإيثار، والعدل، والرضا، والقناعة فلم أجد حولي إلا معكوسات لهذه المعاني.بحثت عن المثاليات، ولم أجد إلا عالما مليئا بالمادية والمناصب وطرقها المؤدية لها بأي ثمن. بحثت عن الجار القديم الذي يظلني بأنسه، وسؤاله، وتواصله، وزيارته، ومحادثته، ودعوته لي ودعوتي له، ومشاركته في كثير من شجونه، وحاجاته فلم أجد إلا كثيرا من الجيران الذين لا نعرفهم، جدارنا واحد، وقلوبنا شتى لا مشاركة ولا سؤال أو زيارة، الأبواب مقفلة والقلوب مؤصدة. وبحثت عن وعن وعن فما وجدت إلا اختلافا كبيرا. بحثت عن نفسي في كل هذه الاتجاهات، فأجدها بين هذا وذاك، تائهة حائرة، أحيانا صائبة، وأحيانا خاطئة، لا استقرار لها ولا أمان، أجدها غارقة في بحر ممتلئ بالوجوه البشرية المتنوعة، والملونة بين الخير والشر بين الحقيقة والخيال بين الجديد والقديم بين الماضي والحاضر، حياة ممتلئة بالتناقضات، فما الذي بحثتم عنه ولم تجدوه؟