مبارك الخالدي

الإرهاب الأسود..الإرهاب الأعمى

كان يكاد يقفز وهو متدثر بمشلحه (الأسود) إلى خارج الشاشة وهو يصب «جام غضبه» شتائم ولعنات على الإرهاب. وكان لم يكن ليشغل حيزا في الذاكرة بصورته وبكلامه لو لم يتلفظ بما استوقفني ولفت انتباهي من قبل مرات عديدة في مانشيتات صحفية، ومقالات، وفي تحليلات استوديوهات الفضائيات. وما لفت انتباهي، ولايزال، هو ان الإرهاب لا يُذْكرْ، ولا يأتي لوحده مجردا من النعوت، إذ دائما ما تُلصقُ به النعوت والصفات لتحديده وتأطيره بها: الإرهارب الوحشي، عملية إرهابية بشعة، جريمة إرهابية شنيعة، جريمة إرهابية تؤكد الوحشية المفرطة.فائض لفظي لغوي يثير عند تأمله التساؤلات عمّا إذا كان هنالك إرهاب غير وحشي، أو عمليات إرهابية غير شنيعة، وغير بشعة. يوحي هذا الفائض الكلامي بأن ذلك الإرهاب منزوع البشاعة والوحشية، خصوصا غير المفرطة، بالإمكان تَحَمُلّه والتغاضي عنه، وتقبل وجوده، والتعايش معه.لكن ما يثير الاستغراب على نحو أشد، هو النزعة إلى صبغ الإرهاب بالسواد «الإرهاب الأسود» ونعته بالعمى «الإرهاب الأعمى». وهنا يفرض نفسه سؤال طويل من عدة أفرع: وهل يوجد إرهاب أبيض، أو أحمر، أو أخضر، أو أزرق، أو إرهاب يتلون بكل ألوان الطيف، أو يتقلب لونيا كالحرباء حسب ألوان الأمكنة والجغرافيا؟الإرهاب لا لون له. بيد أن طليه بالسواد، على أي حال، أقلُّ إثارة للاستغراب والتساؤلات من (فقء أو سمل عينيه). فتلوين الإرهاب بالأسود ترسيخ وإمتداد لربط ومماهاة اللون الأسود حسب جون هارفي في (the story of black,2013) بالأشياء المثيرة للخوف والواقعة خارج نطاق القوة والسيطرة، كالليل والشيطان والشر. ليس هذا فحسب، بل هنالك نزعة قوية مستمرة ومتوارثة من الأزمنة القديمة، تتجسد في البحث عن السواد ليس في الخارج فقط، وإنما في الداخل أيضا- داخل النفس. فالخطيئة، مثلا، بقعة سوداء تشوه بياض أو نقاء الروح.من الممكن شرح وفهم النزوع إلى «تسويد الإرهاب» على خلفية المتوارث وتأثيره، لكن أية خلفية أو أي عامل أو عوامل، يمكن طرحها لشرح وفهم وصف الإرهاب بالعمى.كيف يكون الإرهاب أعمى وهو يهتدى إلى أهدافه بدقة ولو تحت جنح الظلام؟ ليته في الحقيقة أعمى؛ سيكون تطهير العالم منه سهلا!