عبدالله الغنام

دورات المياه لها يوم عالمي؟!

قد تستغرب مثلي أن هناك يوما عالميا يسمى «اليوم العالمي لدورات المياه»، وهو يوافق يوم 19 من هذا الشهر (نوفمبر) من كل عام. والسؤال هو لماذا تهتم وتعتبره الأمم المتحدة من ضمن الأيام الدولية لتذكر الناس به؟! ولكن لو عرفت بعضا من الحقائق لبطل العجب.وإليك أبرز الحقائق التي ذكرتها هيئة الأمم على موقعها الإلكتروني منها: أن هناك 2.4 مليار شخص حول العالم يفتقرون إلى مرافق الصرف الصحي المحسنة، و10% من سكان العالم لا توجد لديهم دورات مياه ويقضون حاجتهم في العراء الطلق، وأن الإسهال الناجم عن سوء الصرف الصحي والمياه غير المأمونة يتسبب في وفاة 315000 طفل سنويا!!. أضف إلى ذلك أنه له أثر اقتصادي حيث إن الأمراض التي تنتقل في أماكن العمل بسبب الممارسات الصحية الخاطئة وسوء النظافة تؤدي إلى 17٪ من جميع الوفيات في مكان العمل! وكذلك تتسبب في أمراض تكلف الدول خسائر إنتاجية تصل إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي.بعد سرد تلك الأسباب بالإضافة إلى أنه من المعلوم والمشهور أن ديننا الحنيف حث على النظافة (وللفائدة فإن حديث «النظافة من الإيمان» حديث ضعيف ولكن معناه صحيح) يتضح جليا أهمية العناية والنظافة بالحمامات العامة ودورات المياه للمساجد والمصليات خصوصا تلك التي تكون في الطرق وفي محطات الوقود حيث يلاحظ أن الكثير منها مهمل وغير نظيف ويحتاج إلى الكثير من العناية والصيانة. وهنا يأتي دور تفعيل ودعم الجمعيات التعاونية الخيرية وغير الربحية في هذا المجال، وكذلك يُلزم أصحاب المحطات والمنشآت بالاهتمام بها.النقطة الأخرى لا تعني المحافظة على دورات المياه الإسراف في استخدام الماء، بل يمكن الجمع بينهما بحسن التدبير والترشيد حيث إن مصادر المياه شحيحة جدا في الجزيرة العربية. ومن الحلول أن تكون هناك محطات صغيرة لمعالجة المياه وإعادة استخدامها في المحطات البترولية أو المجمعات النائية أو القرى لأغراض غير الشرب مثل: النظافة، الري، الغسيل، ولدورات المياه، وغيرها من الاستخدامات.وتاريخيا وفي أوج الحضارة الإسلامية كانوا يهتمون بدورات المياه العامة. فقد قال المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: «حمامات الشرق أفضل من حمامات الغرب صحة وراحة..... فنتمنى أن تشتمل جميع مدن أوروبا المهمة على مثل تلك الحمامات». وقد ذكر المؤرخ الخطيب البغدادي: «ان الحمامات بلغ عددها ببغداد لعهد المأمون خمسة وستين ألف حمام» وأظن هذا الرقم كبير جدا ولعله يشمل الحمامات الخاصة والعامة، ولكن لنتذكر أن عدد سكان بغداد في ذلك العصر كان يقارب المليون ونصف المليون!!. أما قرطبة، فكان بها 900 حمام عام تقريبا، بينما في أوروبا في ذلك الزمن لم يشتهر عنهم الاستحمام بكثرة فضلا عن أنهم لم يعرفوا فن صناعة الصابون!! الذي انتقل إليهم عن طريق العرب والمسلمين.وقد شاهدت برنامجا أوروبيا وثائقيا يتحدث عن الحضارة الإسلامية، وذكر أن بيوت المسلمين في القرن الحادي عشر الميلادي كانت فيها قنوات إمداد وتصريف المياه بينما في الوقت نفسه كان الناس في مدن أوروبا يستخدمون كعوب أحذية عالية من الخشب حين يمشون في الشوارع لتفادي القاذورات وفضلات الحمامات المنسكبة في الطرقات!!.ولعل البعض يتساءل منذ بداية المقال لم تجد إلا موضوع (دورات المياه) لتكتب عنه!!، والجواب من وجهة نظري المتواضعة هو أن الحضارة والتقدم كلٌ لا يتجزأ من الاهتمام بدورات المياه إلى صناعة مركبة الفضاء!